١٢ أبريل ٢٠١١

البروفة

كان عدة شباب من جيل أخر يجلسون فى حجرتي المستأجرة يحتسون الشراب ، فتيات و فتيان عجبت من سلوكهم الغريب ، ليس هذا سلوك أهل قريتى ؟ । جئت إلى القرية فى زيارة لأجترار ذكريات قديمة ، تركتها أول مرة طفلا منذ ما يزيد عن الثلاثون عاما لم أزرها ألا كمراهق متعجرف لا يعجبه شئ فى القرية الجميلة متكبر على أهلها بمدنيته كم كنت أمتلئ بالسفالة فى سن المراهقة ، ها أنا أعود مرة أخرى على أعتاب الكهولة لأستأجر حجرة فى بيت كان لى و لأجد جيلا لم يكن أحد منهم حتى فكرة وقت مغادرتى الأولى أو زيارتى الثانية ، نظرت إلى المخمورين متعجبا كانوا يضحكون سعداء بما يفعلون ، أفهمتنى أحداهن أنهم أعتادوا أن يفعلوا ذلك فى تلك الحجرة لأنها الوحيدة فى البيت الكبير الغير مشغولة ، أستنكرت فعلتهم ، و لم يكترثوا لأستنكارى ، بل طلبوا منى الأنضمام إليهم । دخلت (هـ . ص) و كانت تلعب دور أختى الكبري ، لعنت المخرج و موزع الأدوار فقد كنت أشتهيها ، ( لماذا لا تلعب دور زوجتى ؟ ) ، دخلت بصحبة خالتى ( ع . غ) كلتاهما فى ملابس منزلية غير عابئة فجميع من بالمنزل محارم أو أطفال وجدتانى على حالتى من الذهول فضحكتا كثيرا مع أنهما لم تشربا مع الشباب أيضا ، سألتهما فأجابتا بأنهما لا تشربان الخمر أطلاقا مثلي تماما . دخل ثلاثتنا إلى البلكونة القديمة قدم الجدات المليئة بزرع البلكونات المعتاد نعناع بلدي و ريحان و بعض الصبار الكل فى أصص فخارية قديمة جدا كنت أقول لجدتى أن تلك الأصص أكيد فرعونية فكانت تضحك و تقول لي أنه تم صنعها من التراب الناتج عن فحت النيل ( فحت = حفر ) ، أنتظمنا فى صف علي الأريكة الكبيرة المسندة للحائط فى البلكونة المنظر أمامنا لا يهمنا فى شئ أعيننا لا ترى أبعد من الأصص التى تملاء الأرض و سور البلكونة حيث أن الكاميرا لن تصل إلى ما خارج البلكونة كما أفهمنا المخرج ، كانت خالتى هى التى جاورتنى ألتصقت بى أكثر ثم أحتضنت رأسى على صدرها شرحت لي كيف أفتقدتنى طوال سنوات تغربي طلبت منى أن أقتنى بيتا فى القرية ليكون لى مكان دائم أجئ إليه مرة شهريا على الأقل ، أفهمتنى أن أقتلاعى من جذورى سيجعل عمرى على الأرض أقصر ، خالتى طيبة لا تعرف أن الأرض هى سجنى الذى أنتظر أن يأتينى منه أفراج ، وعدتها أن أفكر فيما أقترحت فوضعت رأسي على فخذها و أخذت تعبث فى منابت شعري كما كنت أحب فى طفولتى و مازلت أستمتع بحجرها الحنين و أصابعها تعبث فى رأسي حتى الأن ، كانت نسمات الوقت ( نصح المخرج بعدم تحديده ) تحوي برودة منعشة طلبت من أختى أن ترتدي شيئا ، فملابسها خفيفة و هى تمرض سريعا كما أعرف ، فأجابت بأنها سعيدة بتلك النسمات التى طالما أفتقدتها طوال سنوات بعدي عنهم فهذه هى المرة الأولى التى تجلس فى البلكونة منذ مغادرتى ، مضى حديث الذكريات عن الموتى من العائلة جدات كثيرات و أخوال و خالات حديث ضاحك أحيانا ملئ بالشجن غالبا . صارحتهما بأننى يجب أن أعود خلال ساعات ، بكت أختى بينما أنبتنى خالتى طلبت منى أن أبقى حتى تشبع منى ، لم أستطيع مصارحتهما بأن المرة القادمة ربما تكون بعد سنوات طوال و ربما ليس هناك مرة قادمة فغربتى التالية بعيدة بعدا سحيقا بينها و بين قريتى صحارى و محيطات لن تكون عدة محطات قطار هى التى تفصلنى ، ستكون طائرات و مطارات و تأشيرات و جوازات سفر و الاف من التعقيدات و العقد و الأحلام و التمنيات و الطموحات و الأحباطات ، يا خالتى العزيزة لن تمتد جذورى مرة أخري فقد قطعت تماما و ماتت بلا أمل فى العودة أو الحياة مرة أخرى . عدنا إلى الحجرة ، الشباب و الفتيات وصلوا إلى حالة بعيدة من السُكر ( الثُمالة ) كانت أحداهن ترقص على أغنية ( مافيش حاجة تيجي كده ) لنانسى عجرم ، طلبوا من خالتى مشاركتهم الرقص فأشترطت تغيير الأغنية إلى ( وسط الدايرة) لمحمد منير ، نحب أنا و هي و أختى تلك الأغنية كثيرا و قامت لترقص خالتى أمهر فى الرقص من الفتيات و أخف أيضا ، شاركتها و أختى رقصتها هى المحور و نحن الدائرون حولها كانت رقصتنا جميلة أعجبت الشباب فصفقوا أولا معنا ثم قاموا ليشاركونا فتركنا لهم مكان الرقص و جلسنا على طرف السرير سكاري أيضا من الموسيقى و الرقص . قالت أختى : كنا نرقص و نسمع لنسكر و نسعد ، أما هم فيسكرون ليرقصوا قلت أنا : لذلك لا أجد مكانى هنا ، أمل أن أجده هناك قالت خالتى : كنت أشعر أنك لن تعود مرة أخري أحتضنتى خالتى بقوة بينما ظلت أختى تصفق لرقص الشباب و لمحت دموع تنساب هادئة على وجهها .




فركش يا أساتذة

٢١ ديسمبر ٢٠٠٩

(3)
صحا الطائر حيراناً يبث الليل أشجانا
ويجلو طلعة الصبح ليهدى الصبح ألحانا
فما كذب إيمانا ولا صدق برهانا
فهذا العالم الحيران ما ينفك حيرانا
نجيب سرور

دخل العسوقل الحي أو المدينة فجرا عند مدخل المدينة تناثر بعض أتباع جهاز البصاصين يتحركون حول الخط الأصفر بتثاقل الملل و الرغبة فى النوم ، نظر أحدهم للعسوقل نظرة مطولة كأنه يحفظ شكله بذاكرته حتى يتضمن تقريره دخول العسوقل ، يخيم صمت جميل على المساكن النظيفة الشوارع تبدو باهية كلوحة لفنان عاش عمره فى قصور الملوك ، حتى أفخم أحياء دولة الشنابطة كلها لا ترقى إلى هذا الجمال ، كم أنت عظيم أيها النمكي ؟ .
تذكر العسوقل مروره مع والده منذ عدة قرون بالحي الذى يقطنه حكام دولة الشنابطة ، كان نظيفاً و منسق و مرتب و هادئ و لكن فى الجو شيئ ثقيل على النفس لا يدخله أحدهم حتى ينمو فى قلبه أحساس بترقب خطر و أذى متربص له حتى أن أبه لم يكف عن ترديد (سلام قولا من رب رحيم ) طوال مرورهم بالحي ، يري الأن تفوق فى التنسيق و الترتيب و الأناقة و النظافة مع أحساس جميل بالأمن يغشى قلبه ، لم يقابل أحد منذ تجاوز الخط الأصفر حتى الأن و مع ذلك لم يشعر بالوحدة ليس لأنه مراقب كحى الحكام و لكنه أحساس بالونس كأن من يراقبه يفعل ليرعاه و ليس ليتصيد له خطأ ما أو شبه خطأ أو يتلككله ليؤذيه .
وصل إلى بيت قريبه كان الوقت مازال مبكرا جدا ، مع ذلك لم يخجل العسوقل من طرق باب قريبه فهم أقرب إلى الأصدقاء من الاقارب ، كما أن قريبه هذا يعيش وحيدا و طالما شاهدت شقته هذه سهرات حمراء لهما قبل ظهور النمكي و منع والد العسوقل له من الذهاب لشنباطوريا الجديدة
طرق طرقة واحدة ففتحت سريعا جارية سوداء لا يعرفها فنظرا إلى رقم الشقة و أسم قريبه على بابها لأنه ليتأكد أنه بيت قريبه .
- أسف جدا ، هل رادمخاط بالبيت ؟
- نعم ، أنت العسوقل عرفتك من صورك مع رادمخاط ، تفضل أنه مستيقظ
- أشكرك .......؟
- أنا نرجساية جاريته الجديدة
- تشرفنا
من الداخل جاءه صوت رادمخاط مرحبا ، ظهر رادمخاط طويلا فارع الطول رشيق الجسد و مشدود العود أسود البشرة وسيم الوجه مازال يطيل شعره ليغطي أثر عراك قديم فقد فيه جزء من أذنه اليسري كان يرتدي جلباب أبيض يصل لما بعد ركبتيه بقليل أبتسامة واسعة جميلة غطت وجهه عند ظهوره للعسوقل فتعانفا و ذهبت نرجساية لتعد الفطور جعل تبخترها ذاهبة العسوقل يحسد قريبه على هذه الجاربة الرشيقة .
- توقعت مجيئك فصحوت مبكرا (قال رادمخاط)
- كيف توقعت ؟
- هاتفنى والدك و أخبرتى قصة البحث عن الحكمة فتوقعت أن تبدء من هنا
- تقرأ أفكارى دائما يا أخى
- أنه طول المعاشرة أذا كان أحد يعرفك جيدا فهو أنا
- نعم ، و لكن قولى ما حكاية نرجساية هذه ؟
- تعرفت عليها فى بيت للمتعة ووافقت أن تكون لى وحدي حتى يقضى الله لنا بالفراق
- ولكن ألم يمنع النمكي الدعارة بالمدينة ؟
- (غاضبا) علاقتى بنرجساية لا تصف على أنا دعارة ، مازلت أرعن يا عسوقل رغم أتساع معارفك ، هذه أخرة المعرفة المكتبة ، لو عركت الحياة مثلى و عرفتها من الداخل و ليس عن طريق الكتب و الأنترنت لعرفت أن مثل هذه العلاقة ليست دعارة .
- (متهكماً) قولى يا عليم ببواطن أمور السفالة
- الدعارة هى ممارسة الجنس مع الرجال بدون تمييز مقابل المال.
- هذا التعريف القانونى للجريمة ، أتكلم عن مفهوم النكمى لها و هو الذى أعاد تفسير الكثير من الحقائق .
- حتى فكرتك عن النمكي سطحية ، لا تصدق كل ما كتب عنه ، النمكي يقدس الحريات ، وضع دستور للمدينة ( أنت حر ما لم تتعد على حريات الأخرين) ، قبل النمكي لم أكن أستطيع الأحتفاظ بمثل تلك الجارية .
- كيف ذلك ؟
- كان من حق آى كان من الجيران أن يتدخل فى حياتى ، بدوافع يغلفها الغيرة على شرف الحي أو النهي عن المنكر و باطنها الحقد من عدم القدرة على الفعل مثلي ، كنت عرضة فى لآى عيل سيس أو عائلة بيئة أو وكيل عسس لا يساوي درهم أن يجرسونى أنا و هى معاً
- أذن فأنت تزنى تحت حماية النمكي شخصيا .
- ها أنت تضبش فى الكلام مرة أخري ، لم أرك منذ قرون و بمجرد ألتقائنا نختلف و نكاد نتشاجر ، و حشتنى يا بن الصرمة.
- و أنت كمان يا قبيح اللسان .
جاءت نرجساية تحمل صينية الطعام بدلت ملابسها و تزينت زينة خفيفة محببة ، وضعت الطعام و دعتهما مبتسمة أبتسامة جميلة لامبالية بما حدث أو ما سيحدث بدت كمن يحب لحظته الراهنة و يكتفى من الحياة بذلك ، كانت الرائحة شهية و أقبل ثلاثتهم يأكلون بشهية بعدها جهزت نرجساية النرجيلة و الشاي ، قدم رادمخاط النرجيلة للعسوقل فرفضها ، بعد أن فهم أن الممنوع فى المدينة هو التجوال مسطولا و هم ينوي أن يتجول بها قليلا اليوم .
- قادم أنت أذن لمقابلة النمكي ؟ (سأل درامخاط)
- أتمنى ذلك
- كيف ستنجح فيما فشل فيه الجميع، أجهزة العسس و الـ CNN
- أعرف أن الجزيرة أيضا لم تحصل منه على حتى كلمة مكتوبة
- لماذا أذن سيظهر لك؟
- لأنى باحث عن الحكمة و ليس عن مال أو شهرة مثلهم .
- أنا أيضا حاولت معرفة من هو ، و لم أكن أبحث عن مال أو شهرة ، بل لم أكن حتى أبحث عن الحكمة .
- لماذا بحثت عنه أذن ؟
- لأقدم له أمتنانى على الحرية التى أعطاها لى ، و للحياة الكريمة التى قدمها لنا جميعا بلا مقابل .
- كل تلك القيود حرية .
- لم يضع لنا النمكي قيودا و أنما نظاما ، فلم نكن قبلها حتى نختار مواعيد نومنا ، نعم أذا أردت أن تنام و كان لك جار غرس الشيطان قرنه فى شرجه فقام يرقص من شدة أكلان الشرج رافعا صوت الموسيقى على أخره ، و بالطبع أن كان لهذا الجار قبيلة قوية من الشماميين و المسجلين خطر الذين كانوا ملء المدينة فعليك أن تنظم حياتك على مواعيد دخول قرن الشيطان فى شرجه .
- نعم فهمت ، و لكن ألا تعتبر الرغبة فى أيذاء الأخرين نوع من الحريات
- ها أنت تتفلسف كالعادة ، بالطبع لا ، و راجع رسائل السماء ، مطلق الحرية تلك التى تنبع من أطار تنظيمى و قواعد تسري على الجميع و عندما أقول الجميع فأنا أعنيها نعم يسقط معنى النظام و بالتالي جميع الحريات التى تنبثق منه عند وجود أستثناء واحد فقط ، بالطبع تضحك فكسر النظام فى شنباطوريا هو القاعدة و ليس الأستثناء .
- قولى كيف كان الحال بعد ظهور الأعلان الشهير عن وجود النمكي و سيطرته على المدينة .
عدل درامخاط من وضع جلوسه شأنه شأن من يستعد ليدلى ببيان طويل .
كان يوما ليس كمثله يوم صحوت مبكرا على أصوات كثيرة فى الشوارع الكل يزعق الجميع فى مشاجرة مرة واحدة كبف ذلك ، أحسست بشئ خشن ملامس لجلدي تحت أبطي فوجدت الورقة قرءتها و لم أفهمها أولا جيدا خرجت سريعا إلى النافذة كنت كمن يعيش فى حلم ما هذه الروعة و هذا الجمال كل شئ أية فى النظافة و الأناقة أختفت أكوام الزبالة و عشش الصفيص التى كان البعض يبنبها لأحتلال جزء من الشارع فقط لفرض سيطرة ما و أثبات فتوة ، الجميع يتصايحون و بعض جنود الشرطة يروحون و يجيئون بدون هدف ، نعم الكل يريد التشاجر و شيطان الشجار ذو المليون قرن يعمل كما لم يعمل من قبل ملاءت قرونه فتحات شرجهم جميعا ، بعضهم وقف فى الشارع عاريا كما ولدته أمه ممسكا بسيف أو سكين داعيا النمكي لعراك كالرجال ، أعرف أحد من فعلها أسمه زعتون لا يمكن أن يتشاجر خارج الشارع الذي يقطنه هو و الكثير من أفراد قبيلته مع ذلك دعى العسوقل لنزال كالرجال ، حرر العسكر الكثير من المحاضر و حصروا عددا هائلا من البلاغات ، جئ بالمعاول و الألات و فتحت الدكاكين مرة أخري ، بل أن البعض وقفوا بالشارع يغنون و يرقصون و يلعبون الكرة متربصين لظهور النمكي بالأسلحة .
أنه الغباء المعتاد أو قل العادة القبيحة للشنابطة بعدم أستخدام عقولهم ، لم أفهم حينها كيف ظنوا أن من فعل كل ذلك فى ليلة واحدة أو جزء من ليلة سيظهر لهم ليتشاجر مثلهم ، كيف ظنوا أن مواجهة مثلة تكون بالأسلحة و بالتهديد بالسلطة ( فعلتها جارتى القصيرة الشرشوحة التى يعمل زوجها حوزياً عند أحد أصحاب الحظوة من حاشية أحد الأمراء ) ، قليلا جدا هم من أعملوا عقولهم فأغلقوا منازلهم على أنفسهم ، أما أصحاب الدكاكين و المحال فثلاثة أو أربعة فقط هم من أعملوا عقولهم و ذهبوا لمشاهدة الدكاكين الجديدة و لكن سيرا على الأقدام فوسيلة المواصلات الكهربائية التى أنشئها النمكي دمرت تماما فى ذروة غضب القوم ، أما السلطة فأعتبرت أنشاء الملاعب فى منطقة و الدكاكين فى أخري و تلك الأراضى كانت بالفعل مباعة لعلية القوم من الشنابطة أصحاب المؤخرات السمينة ، فجئ بالمارد الميكانيكى لتدميرها و قبل قدوم الليل كانت قد عادت كما كانت و خُصص لحراستها عدد غفير من الجنود و الآلة العسكرية ، و لكنهم نسوا أنهم داخل الخط الأصفر .
هكذا مضى اليوم الأول من المهلة ، و فى اليوم الثانى عاد كل شيء كما كان حتى أكوام القمامة التى يحتاج تكوينها لأسابيع عادت و كأنهم جاءوا بها من أحياء أخري ظننت أن الأمر كان حلما و لكن أحاديث القوم من حولى عند نزولى نفت ذلك ، الجميع يتحدث عن مواقفهم البطولية فى مواجهة الغزو السليمانى النمكي و كأنهم واجهوه بالفعل هذا يحكى عن تأجيره للدي جي بدون مناسبة و تركه ينهق فى الشارع طوال الليل و أخر يحكى عن أمره لأولاده أن يسهروا للعب الكرة بالشارع حتى الصباح ، و أخر يروى كيف تخلص من قمامته التى تحتوى فضلات أدمية من نافذة مسكنه و يتفاخر بجعل رائحة الشارع أسوء من المراحيض حيث غطت رائحة خراءهم على رائحة أشجار الزهور التى زرعها النمكي ، و هكذا ........... ، كان الجميع يتفاخر بأفظع الأفعال و مستمعيه يستحسنون ما فعل و لم يذكر أحدهم اليوم التالى بعد أنتهاء المهلة .
كنت حريصا مثل الجميع ألا أنام فى هذا اليوم و لكن شيء ما ربما فى الجو نفسه أنام الجميع حتى العسكر المرابطين عند منطقة الدكاكين و منطقة الملاعب الكل نام و صحوت مرة أخري على نفس الصياح ووجدت ورقة جديدة فى نفس المكان تحت أبطئ ملاصقة لجلدي كان نصها
( من سليمان النمكي إلى أهالي الحي
الساعة تنتهى المهلة و يصبح عقاب المخالف لما جاء برسالتى الأولى قائما .... أنتهى)
خرجت للنافذة مسرعا عاد كل شئ للروعة و الأناقة و النظافة مرة أخري الكثير من الناس فى الشارع كلما رفع أحدهم صوته مهددا سقط ميتا فى الحال نعم مات الكثير من أهالي المنطقة فى هذا اليوم على عكس ما كُتب و نُشر بل أنى رأيت بعينى أحدهم أمسك بمعول ليعيد فتح دكانه و ما كاد يرفعه و قبل أن يلامس الحائط أنفصلت يده من الكتف و سقطت أمامه على الأرض ممسكة بالمعول و نزف حتى الموت خرجت مئات الجنازات و كان خروجها هادئا على غير العادة فالنساء خافت الصياح حيث أن من كانت تصيح خلف جنازة كانت تخرج محمولة معها .
قاطعه العسوقل قائلا :
- مهلا ألا يجعل هذا من سليمان النمكي قاتلا
- و هل من ينفذ أحكام الأعدام قاتلا
- الأمر مختلف
- أفترض أنك جندي على الحدود تقف بالقرب من لافتة تحذر الناس خارج الحدود من أختراقها ، و جاء أحدهم و أخترق الحدود فأعملت به سيفك أيجعل منك ذلك قاتلا .
- فهمت ما ترمى إليه ، أنت تراه منفذ للقانون .
- ربما ، فالنكمل الحكاية .
أما عن الجنود فصحوا ليجدوا أنفسهم خارج الخط الأصفر مجردين من السلاح و الملابس و جئ بأضعافهم عددا و عدة فما يكاد أحدهم يتخطى الخط الأصفر حتى يموت فى الحال و تختفى أسلحته فوقفوا بالألاف خارج الخط الأصفر يتربصون بمن يدخل و يخرج لعدة أيام يسألون و يتستجوبون و يحتجزون و فجأة ذهبوا إلا بعض البصاصين ، يقال أن قائدهم تلاقى تهديد من النمكي شخصيا بتمديد الخط الأصفر إذا لم تنسحب القوات فلما ضرب القائد بالتهديد عرض الحائط أمتدت الحدود فى أتجاه القوات و أنتقل الخط الأصفر تحت عيون الجميع ووجد الكثير من الجند أنفسهم بداخله فرموا أسلحتهم و ملابسهم و خرجوا مسرعين و مات هذا القائد يومها .
و شيئاً فشيئاً أستقرت الأوضاع فى الحي ، رحل الكثير ممن لم يستطيعوا التعايش مع النظام الجديد ثم بعد عدة أشهر أصدر النمكي مرسوما أخر يمنع دخول المدينة على المرتشين و مستغلى السلطة فرحل عنها المئات من صغار موظفى الدولة و المهندسيين الأستشاريين و موظفى المشتريات بالشركات و بعدها بمدة أخري أصدر مرسوما أخر يمنع فيه النصابين و الغشاشين و من يرتزقون من الكذب و الخداع فرحل سائقى التاكسي و التجار و الكثير من أصحاب الورش الصغيرة و موظفى المبيعات ، و هكذا أصبحت المدينة شبه خالية و عرضت الكثير من العقارات للبيع فأنخفضت الأسعار إلى حد مقدرة الشرفاء فجائوا إلى المدينة لتمتلئ مرة أخري .
- و هل من جاءوا كانوا من مهن أخري
- لا بعضهم من نفس المهن و لكن مع معايير مختلفة للنزاهة
- و كيف يعرف النمكي هذا
- لا أدري و لكنه يعرف
- كم أشتاق إلى مقابلته ، قول لي ماذا وصلت فى بحثك عنه
- أثقل الحشيش رأسي فللننم قليلا حتى يذهب مفعوله ثم ننزل إلى المدينة لتشاهدها جيدا بينما أحكى لك عن بحثي
كانت ليلة العسوقل حافلة أيضا و شعر برغبة حقيقية فى النوم فذهب إلى منطقة الأحلام بينما كانت نرجساية تغلق النوافذ لتهيء لهما نوما هادئً

٢١ مايو ٢٠٠٨


استطراد في ما ذكر عن سليمان النمكي و شنباطوريا الجديدة :-
لم يعرف العسوقل مدينة شنباطوريا الجديدة أو سليمان النمكي ألا من خلال ما تناقله الناس و الصحف و الخباصين و المنادين في الأسواق عنهما .
بدئت شنباطوريا الجديدة كحي متوسط المستوي و الحجم علي بعد عشرون كيلومتر من شنباطوريا حيث بيعت المسافة بين المدينة الكبرى و هذا الحي لأصحاب الحظوة من العسكر و الأمراء و كانت صحراء قاحلة لا تساوي شيئا فبيعت لهم بلا ثمن ، ثم بُني الحي ليصبح لها ثمن بعد أن يتهافت عليه أبناء الطبقة المتوسطة ممن لا يجدون سكن مناسب في المدينة القديمة ، فقدم سكانها الأوائل تضحية عظمي قلما وجدت في هذا الزمن ، أقدموا على سُكنى الصحراء المقفرة أملين بمستقبل أفضل عندما يتحول حيهم المتواضع هذا إلى حي راقي متحضر بلا ضوضاء أو قذارة أو تلوث كان أغلبهم يقصدون شنباطوريا الكبرى يوميا مسافرين ذهابا و عودة برغم من عدم توافر مواصلات جيدة ، فشل الكثيرين منهم في الاستمرار خلال السنوات الأولي الصعبة و أغلقوا منازلهم و عادوا إلى المدينة القديمة ، و يقال أن من بين أوائل الأوائل الذين سكنوا المدينة الجديدة و عانوا من صعوبات كبيرة كان سليمان النمكي نفسه .




مرت سنوات عدة و بدئت المدينة تصحو أزداد عدد سكانها و جاءت المواصلات الخاصة لتعمل لديهم و بالطبع أمتلئت جيوب العسكر و الأمراء المحظوظين بعد توسيع الطريق بين المدينتين ليستوعب التوسعات الكبرى في الحي البعيد الذي أصبح مدينة وليدة ، و أمتلئ السكان القدامى بالأمل في نمو حيهم بعد رصف الشوارع الداخلية و تشجير الشارع الرئيس بالحي .
و لكن كالعادة فلا شئ يكتمل لصالح تلك الطبقة المتطلعة ، أتضح أن توسعات المدينة كلها لأحياء راقية بل تجاوز المستوي الأحياء الراقية بمراحل ربما يمكن تسميتها بأحياء مستفزة و بأسعارها المرتفعة لم يسكنها سوي أعالي الهرم الاجتماعي و بالطبع يحتاج هؤلاء لخدم و سائقين و مشرفي أمن و حلاقين و ماشطات و عمال صيانة و عمال معمار و لتوفير سكن قريب من الأحياء المستفزة لهؤلاء جاءت الفرصة للسكان الأوائل الذين تركوا منازلهم مغلقة بالحي القديم ليقوموا بتأجيرها ، و تعامل العمال مع الحي بنفسية عمال التراحيل ( البلد اللى مايعرفكش حد فيها شلح و أجري فيها ) فشلحوا عن أخلاق و عادات قذرة و ظهر على الحي كل سلبيات العشوائيات ، فوجد فيه سائقين النقل الثقيل مكان مناسب لقضاء فترة منع التجوال اليومية لهم في شنباطوريا الكبرى ، و بهبوط المستوي العام أنخفض سعر السكن في المدينة فكان الفرصة للطبقات أقل في القدوم ، ففتحت المقاهي القذرة و الغرز و ورش صيانة النقل و غسيل السيارات و بفقدان اهتمام جهاز المدينة للحي الفقير نظرا لانشغاله الشديد بتزيين و تجميل الأحياء المستفزة انتشرت القذارة أكثر و أنخفض المستوي أكثر و هاجر من السكان القدامى من سمحت له ظروفه المادية بالهجرة و أكتظ الحي بالقوادين و اللصوص و المتسولين و و هواة تربية الحمام في الأسطح و البلكونات غير عابئين بتراكم براز حمامهم على ملابس الجيران و منازلهم ، ظهر بالحي تكتلات إقليمية و تلاها صراعات استخدمت فيها جميع الأسلحة من اليد المجردة حتى ماء النار و قنابل الملوتوف ، شهدت شوارع الحي التي كانت يوما هادئة ليالي الأعراس و لم النقطة حيث كل شئ مباح ، حتى تنجيد العروس أصبح يُأجر له الدي جي ليزعج الجيران من الثامنة صباحا حتى نهاية النهار ، هنا ظهر سليمان النمكي .
كانت كما حكي للعسوقل ليلة غريبة هدأ فيها الحي كله لأول مرة منذ سنوات و كأن الكل أموات أو مسهم سحر ما و علي غير العادة بدء الهدوء الثقيل مع أول الليل ، و صحا الناس علي واقع كالخيال ، من نظر من شرفته أولا هاله ما رأى كل البيوت مطلية بطلاء أبيض رائع ، كل الشوارع مغسولة و غير مبتلة و كأن أمطار هائلة قد سقطت في الليل تلاها رياح نظيفة بلا أتربة جففت المياه ، اختفت الأشجار العشوائية التي قام السكان بزراعتها و حل محلها على جانبي كل شارع أشجار منتظمة لها لون و حجم واحد ، أغلقت جميع الورش و المقاهي و المحلات المتواجدة بالأدوار الأرضية للعمارات و عاد شكلها كما كانت ، متى حدث كل هذا تعجب من طل من الشرفة .
و منهم من أصابه العجب أكثر حيت وجد الرسالة ، نعم ، سمع العسوقل من بعض السكان بعد ظهورهم في وسائل الأعلام أن الجميع وجد نسخة من الرسالة بل أن بعضهم أدعي أنه وجد الرسالة ملاصقة للحمه أي أن من وضعها تجاوز غطاء الفراش و الملابس الخارجية و الداخلية أيضا و ما هال البعض و جعلهم يبولون على أنفسهم هو نص الرسالة نفسه حيث كتب فيه .



السيد / ............ ( أسم كل ساكن أو ساكنة بالحي )
تحية طيبة و بعد ..،
يشرفني أن أخطركم أن هناك تغيير كبير قد حدث بحيكم حيث فرضت سيطرتي الكاملة عليه بعد أن قمت بتجديده تماما ليصبح أفضل أحياء شنباطوريا ، كما أنني قد قمت بضرب خط أصفر حول الحي ، و سيطبق قانون جديد علي كل من يعيش داخل الخط الأصفر ، و علي من يعترض على آي مادة من مواد القانون التالية أن يرحل خلال يومين ، و يعتبر كل من يبقى بعد اليومين موافقا على جميع ما سيرد من مواد القانون و يعاقب في حالة مخالفته .
1 ) ممنوع استخدام الشوارع أو المساحات ما بين المساكن أو المناور كمقالب للقمامة و على كل ساكن أن يستخدم الكيس الذي سيجده يوميا داخل شقته لوضع مخلفاته ثم يضعه في الحاوية المخصصة لذلك بشارعه ، و يعتبر استخدام الحاوية بدون الكيس مخالفة يعاقب عليها .
2 ) ممنوع الإزعاج الصوتي بكل طرقه ، استخدام آله التنبيه بالسيارات ، الصفير أو الصياح بالشارع ،استخدام الأجهزة المنزلية بصوت مرتفع ، التحدث بصوت مرتفع .
3) ممنوع استخدام الشوارع كملاعب للكرة ، و قد قمنا بضم المساحة المخصصة للحي الراقي تحت الإنشاء رقم 9 ، و أعددنا بها ملاعب مجهزة ، تكفى الجميع .
4) ممنوع النداء على آي نوع من أنواع البضائع أو تنبيه الزبائن بالخبط على الأنبوبة أو استخدام الصفير لذلك و قد خصصنا بكل شارع مظلة للبائعين أنابيب البوتاجاز و علي من يريد التعامل معهم أن يترك على اللوحة ورقة برقم شقته و عمارته و على البائع أن ينزع الأوراق عن اللوحة و يذهب بالأنابيب للسكان .
5) قمنا بإغلاق كافة الورش و الدكاكين بالمنطقة السكنية و نقلت جميعها إلى المساحة المخصصة للحي الراقي رقم 8 و الذي ضمه الخط الأصفر أيضا ، كما قمنا بتوفير مواصلة كهربائية تجول المدينة على خط ثابت تسير بلا سائق و تقف بأماكن معلومة لتيسير على السكان فى الوصول إلى منطقة السوق و الورش ، سيعاقب كل من يحاول أعادة فتح ورشته أو دكانه .
6) ممنوع تجاوز السيارات النقل للخط الأصفر ، و يعاقب كل سائق يتجاوزه .
7) ممنوع تجاوز المواصلات العامة للشارع الرئيسي .
8 ) ممنوع تربية جميع أنواع الحيوانات سواء حيوانات المزرعة أو الحيوانات الأليفة داخل المساكن .
9) ممنوع التجول بالشارع بآي نوع من أنواع الأسلحة .
10 ) ممنوع التسول
11) ممنوع الدعارة
12) ممنوع تعاطي آي نوع من أنواع الخمور أو المخدرات بشوارع الحي ، أو النزول للشارع تحت تأثير الخمور أو المخدرات ، أو تجاوز الخط الأصفر .
13 ) ممنوع للمشاة استخدام وسط الشارع و عليهم استخدام الأرصفة .
14) ممنوع علي السيارات تجاوز سرعة 60 كم بالشارع الرئيسي و 40 كم بالشوارع الجانبية و 20 كم أمام و حول المدارس .
15) ممنوع داخل الخط الأصفر أقامة الأفراح بكافة أنواعها عرس ، سبوع ، طهور، أفراج ....
16) بداية تطبيق هذه المواد مع بداية اليوم الثالث من استلامكم هذه الرسالة .
17) سيعاقب كل مخالف بعقوبة واحدة هي الموت .
و للحديث بقية

٠٧ أبريل ٢٠٠٨


2- شباطوريا الجديدة


ملئت الدموع عينيه وهو يري أسوار مدينته أخذة في الابتعاد بدت من بعيد في الوسط بين صحراء الغرب و حقول الشرق درة ذهبية ، آه يا شنباطورية أيتها العاهرة الحنون أيتها الفاجرة الكريمة أين أجد مثلك في هذا العالم ، آه يا مباني من السباب و شوارع من سؤ الفهم ، آه يا قلب العالم و عقله المفقود ،كم سأفتقدك يا مدينة الفوضى و الطيبة و سؤ الخلق .


سيطر عليه أحساس الغربة و هو الذي لم يكد يبتعد عن مدينته سوي ساعات قليلة ، فتح خريطة البلاد أمامه حتى يختار وجهته ، كان الاختيار عسير فالبلاد مترامية الأطراف تقبع شنباطوريا في منتصفها تماما ، كما قال والده تمتلئ البلاد بالحكماء ، هل يذهب شمالا حيث البحر الواسع و الطقس الجميل أم جنوبا مع مسار النهر حيث الجو الحار و العادات الراسخة الممعنة في القدم أم إلى الغرب حيث يعيش الطيبون بلهجتهم الصعبة أو إلى الشرق حيث البحيرة المالحة العظمى و الجبال و قبائل الصيادين .


أخيرا أختار مساره قرر أن يبدأ جنوبا ثم يتجه شرقا حتى البحيرة المالحة العظمى ثم يسير موازيا لساحل البحيرة حتى أقصى الشمال حيث تلتقي مع بحر الشمال ليمضى موازيا لساحل بحر الشمال حتى أقصى الغرب و بعدها أما أن يجد الحكمة أو يترك البلاد عبر الحدود الغربية مع بلاد ذيل أبي الفقيا ، مضى مرتجلا فقد كان الصباح في تباشيره المبكرة و لم تبدأ المواصلات بعد في العمل ، ما أن ترك أخر ملامح المدنية لضواحي شباطوريا حتى بدء ظهور العمران من جديد حيت كان يمر على بدايات شباطوريا الجديدة تلك المنطقة التي ظهرت منذ عشرون سنة كأحد ضواحي شباطوريا ثم انفصلت لتصبح مدينة مستقلة بعد ظهور سليمان النمكي بها .


نعم ، سليمان النمكي لماذا البحث بعيداً ، يا لك من غبي أيها العسوقل ، سليمان هو أحكم الحكماء بالتأكيد فهل من دليل و مرشد للحكمة أفضل ممن يعرف سر الكلمات ذلك الذي تحدي السلطة و حكم مدينة كاملة يسميها الكثير من الناس يوتوبيا العصر كل هذا و لم يره أحد أو تظهر له صورة بإحدى الصحف أو شريط فيديو على آي من الفضائيات و لا حتى تسجيل صوتي بآي من الإذاعات ، أنشرح صدر العسوقل للفكرة مع ظهور الشمس ، تذكر قريبه المهاجر إلى شباطوريا الجديدة و قرر أن يذهب عنده سيقيم بتلك المدينة حتى يكشف سر سليمان النمكي ، كان علي يقين أنه سيجده ، فكل من بحث عن الرجل كان بهدف أن يقتله أو يزج به إلى السجن أو يربح من وراء كشف سره لوسائل الأعلام التي رصدت الملايين من أجل حديث مع هذا الرجل أو حتى مجرد صورة ، نعم دخل العسوقل المدينة و كله أحساس بالتفاؤل فأنه سيأتي بما لم تستطيعه قناة الجزيرة .

١٠ مارس ٢٠٠٨

- سيطرة البرشام
في قديم الزمان عاش العسوقل فى المدينة التى ولد بها حتى وصل لسن الشباب ، كانت مدينة الشنابطة مجتمع من الفوضى و القذارة و الزحام وسؤ الخلق و مباني السباب و لما كان العسوقل غير شنباط بخلقته و تربيه أبويه و الأملاح الذائبة في دمه ، فتعذر عليه التأقلم مع تلك المدينة المترامية الأطراف المهيبة القذرة الممعنة في القدم فاقدة التحضر و عاش سنوات تعقبها قرون في هذا الكمد العظيم ، و عز علي والديه ما يعيشه من الهم فنصحاه بتعلم الحكمة فهذا أفضل ما ينفعه و بنفعهما في مجال الفشخرة بابنهما ، مال العسوقل لهذا الرأي و أنطلق لقرون أخري ينهل من مصادر الحكمة المختلفة يقرأ و يتكلم و يستعرض مواقع الانترنت ، و شيء فشيء بدء الملل يدخل قلبه فما يكاد يقرأ ما كتبه سعيد ليأتي بعده ببضع سنين سعد أو سعيد أخر ليعيد أثباته أو ليكذبه و يدحضه ، و ترددت في خاطره فكرة سيطرت عليه تماما ، لماذا لا تجتمع حكمة الإنسان منذ الخلق و حتى الآن في كلمة واحدة أو جملة واحدة مكونة من بضع كلمات و لتذهب كل رسوم الكهوف والبرديات و الكتب و السي دي و التدوينات إلى الزبالة ، ناقش والديه في فكرته ، استعاذ والده من سؤ الفهم و سلمي الحمقاء ، نصحه بالاستمرار في تعلم الحكمة ربما أصبح يوما مثل الحكيم خرعوم دال أو أبن توفيق فيذيع صيته و يقصده الناس من جميع أنحاء الأرض ليسمعوا كلمة أو كلمتين من حكمته ، رفض الإصغاء مهاجما خرعوم دال نفسه فلو كان أحكم أهل الأرض كما يدعون للخص حكمة الإنسان في تلك الكلمة أو الجملة المنشودة أما أبن توفيق فقرف حتى من ذكر أسمه ، أفهم والديه أنه عازم على الارتحال بحثا عن ملخص الحكمة تحداهما فى أنه سيجد الكلمة أو الجملة فى مكان ما ، رجاه والده أن يبدأ ارتحاله بداخل البلاد فبلادهم واسعة مترامية الأطراف يسكنها الحكماء من آلاف السنين ، وافق العسوقل على أقترح والده ، فلملم أشيائه القليلة تاركا مدينة الشنابطة خلفه بينما أمه تبكيه لاعنه حمى البحث عن الحكمة التي أصابته .

٢٧ فبراير ٢٠٠٨

(3)
ظهرت علي غير انتظار و لأول مرة أفعى مقرفة الشكل خبيثة دمها بادر مثل كل الأفاعي لا تقدر علي البرد و لكنها الأسوأ على الإطلاق فقد كورت نفسها في مدخل جحر للفئران سدة إياه بجسدها البارد القبيح تستمد الدفء من الأجساد الصغيرة المر تعبة فإذا أصابها الجوع أو السأم أنقضت علي أحدها لتأكله دفعا للجوع أو الملل ، أنتفض العسوقل لرؤيتها تمنى أن تمر سحابة السؤ هذه بسلام .
و جاء صاحب ألأطلاله العظيمة السيد / سبارتكوس بنفسه لا يمكن أن يختلف شكله مع كيرك دوجلاس حتى بعد مشاهدة بعض رسومات الأقدمين يبقى سبارتكوس في عقل العسوقل علي نفس الشكل كيرك دوجلاس بقامته المتوسطة و المنطقة الغائرة في منتصف ذقنه و النظرة القوية الطيبة ، جاء راكبا حصانه المعهود فقير السروج و الزينة ، كعادته أيضا كان عاري الصدر من آى دروع متدرع بأيمانه بالحرية فقط ، يطارده عبيد مثله كانوا ورائه صغار الحجم أقزام بأننايتهم و رضاهم بالفتات الذي يتركونه لهم أسيادهم يملئاهم أحساس زائف بالتميز عن باقي العبيد فقد منحهم سيدهم القيصر اليوم امتياز تشغيل جميع مكارية روما و أن لا يعمل مكاري و لا حمار إلا عند أحدهم فانطلقوا يطاردون سبارتكوس بنفس راضية نشوانة فهم من اليوم أسياد الحمير في روما جميعها .
لم يصدق العسوقل عينيه كاد يبكي غاندي يأتى بعد سبارتكوس مباشرة و كأنها رسالة ترسلها له السُحب من الأعلى المدافع عن الحرية بالسيف ثم أمير السلام كانت سحابة عملاقة تلك التي أخذت شكل غاندي ربما أكبر سحابة مرت اليوم جاء بردائه الوحيد المغزل منزليا يضم ألاف و ملايين الهنود الفقراء فى حضنه الكبير ، بحبك يا حمار ، هكذا أنقض صوت كعب الصندل الخارج من كمبيوتر أبن الجار (الوحيد الكريه الصايع) فاختفى غاندي في الحال فنظر العسوقل غاضبا في اتجاه الصوت فشاهد أبن الجار سعيدا راقصا و كأن كعب الصندل يغنى له شخصيا ربما كانت هذه حقيقة فلا يوجد فرق كبير بينه و بين الحمار باستثناء أن الحمار ليس صايع ، تكدر العسوقل كثيرا فقرر أن يرفه عن ضيقه بمضاجعة زوجته فقد سمع صوتها تغنى بالداخل مع فيروز ( يا مرسال المراسيل ) وجد نبتة الرضا قد أثمرت عن شئ أخيرا فأخذه و قسمه إلى خمسة أجزاء صغيرة ثم عاد و قسم أحد الأجزاء على الأربعة الباقين حيث أحس أنه ليس بحاجة ملحة للجزء الخاص به ، دخل علي طفليه فدهن صدورهما كل بما يخصه ثم سمح لهما بالعب مع الجيران ، ثم دهن للرضيع صدره بنصيبه مما أثمرت النبتة ، و أدخر الجزء الخاص بزوجته ليدلكها به بينما يضاجعها .
انتهت تأملات العسوقل و انتظروا قريبا رحلة العسوقل إلى مدينة كيمارا

٢٨ نوفمبر ٢٠٠٧


تأملات العسوقل -2


كعادته دائما يأتي التنين الصيني في مقدمة السحب بجسده الثعباني الملتوي و جناحيه الصغيرين كم يعشق العسوقل هذا التنين ، كما يكره


التنين الأوروبي الضخم الصارم بجناحيه الكبيرين يطير واضعا يده علي قلبه أضعف مناطق جسده يتغذى على الفلاحين و الحطابين و أولادهم البسطاء و بعد طواف القرون يذهب مختارا كالجحش الأعمى ليهدي قلبه للفارس الذهبي لينال علامة النبل الأبدية هو و أسرته

.
أشم رائحة زفارة منذ هبوطنا هونج كونج -
تلك الرائحة فى كل الجزر-
- و ما هذا ؟
- ربما مهرجان و ما أدرانى
زوج من التنين الصيني يتصارعان على دقات الطبول صراع أشبه بالرقصة الرشيقة حولهم في دائرة كبيرة تقف فتيات جميلات يرتدين الثوب الصيني التقليدي الطويل ذو الشق الذي يبدأ من الذيل و ينتهي قرب الردفين ، ما أروعك أيها التنين ، أقتربت أحداهن بعد سماعه يتحدث مع زميله .
- عربي أنت
- نعم
- ما أسمك ؟
- العسوقل
- أنا أعرف عربي ، أتعلمه الأن حتى أعمل فى التسويق فى منطقة عربي ( قالتها و هى تبربش بعينيها الصغيرتين الجميلتين )
- بص يا عم الاحتلال الجديد .
- بس يا ريت يبقى كله حلو كده

المفترض أن يأتي بعد التنين الحصان الأبيض المجنح ، تخلف هذه المرة أو أرسل نائبه البحري ، حصان البحر ، بدا عملاقا أبيض و ليس أخضر مشوب بالحمرة كأحصنة راس محمد .
بعد انكسار المد يسرع العسوقل و زميليه إلى الدلاء المدفونة في الرمال ، يقومون بدفنها كفخاخ قبل قدوم الماء يغطيها البحر وقت المد ، تمتلئ بخيرات البحر ثم ينحسر الماء تاركا هدية غذائية للعسوقل و زميليه و قائدهم ردئ الصورة و الأخلاق ، يُخرجوا الدلاء من الرمال ، جمبري و أستكاوزا و أسماك يقومون بفرزها يحتفظ العسوقل دائما بدلو ملئ بالماء حتى يعود بالأسماك التي لا تؤكل للبحر ، ما فائدة قتل مثل تلك الكائنات الجميلة ، يجد فيما وجده سمكة حصان البحر، تبدو صغيرة في كفه الضخم لها لون أخضر جميل مشوب بحمرة زرقاء غاية في الروعة يتأملها تفتح فمها الصغير و تغلقه و تحرك زعنفتها الجانبية الحرة و تفرد زيلها ثم تبرمه في حلقات متداخلة
- أيه اللى معك ده
- حصان البحر هرجعه الميه
- لأ هاته
يعرف العسوقل ما سيفعله القائد رديء الصورة و الأخلاق بالحصان ، فهو بخيل و يحب أن يأتي بالهدايا المجانية فقط لخطيبته و ليس أفضل من هدايا البحر من أصداف و كائنات جميلة ، يربط السمكة من رأسها و ليس من زيلها حتى تقوم بطي زيلها كحلقات فيصبح شكلها أجمل تبدو السمكة كالمشنوق بلا ذنب ، يتركها في برد الليل معلقة لتجف تماما ، ثم يغطسها في الفلوت الذي يستولي عليه من ورشة الدهانات و يتركها تجف و يغطسها مرة أخري و يتركها تجف و هكذا حتى يغطيها بطبقة سميكة من الدهان الشفاف تبدو بعدها كشيء حزين ، عينها تجفان و يظهر مكانهما تجويفان باهتان يكلح لونها و تختفي الحمرة منها ليكون اللون صحرائي أصفر كلون النجيل الميت و لكنها هكذا ستصلح ميدالية لخطيبة سيادته .
- و حضرتك هتعمل بيها أيه ؟ ( محاولة أخيرة من العسوقل لإنقاذ حياة السمكة)
- و أنت مالك شوف شغلك و خلاص و سيب الجردل ده بقي باللى فيه أنا مش عايز حاجة ترجع للبحر
- يعنى أنت ترضى حد يعمل حضرتك ميدالية و يعلق فيك المفاتيح بتعته
- بقولك لايمها يا عسوقل و شوف اللى وراك من غير لاماضة خللي نهارك يعدي
- ما هو هيعدي هيعدي حد يقدر يمنعه ، المهم حضرتك هتأكل معانة شوربة سمك و لا أعملك سمك مقلي ، أصل الزيت شوية و مش هيقضينا كلنا .
- لأ شوية الزيت أعملي بيهم سمك مقلي و أنتم كلوا شوربة .
دوت ضحكة العسوقل و هو يتذكر استمتاع القائد رديء الصورة و الأخلاق بالسمك المقلي المتبل جيدا بالملح و الفلفل و الثوم و براز الفئران و طحين الصراصير الجافة .
دخلت زوجة العسوقل لبلكونة باب المشتل حاملة في أحدي يديها صينية عليها كوبين و في اليد الأخرى أخر السلالة العسوقلية يتلعبط على كتفها .
- بتضحك علي أيه ؟( سألت ضاحكة )
- حاجة افتكرتها
يبدو أنها تنوي مجالسته ، نظر للأعلى فقدت السحب أشكالها و عاد صوت الأغاني الناعق لدي أبن الجار (الوحيد الكريه الصايع) إلى أذني العسوقل و كان نعل الصندل ينهق بحمرة يا قوطة ، عندما تريد شيئا تبدأ حديثها معه بسؤاله عن أحوال العمل ، و أحوال أصدقائه ، يعرف ما تريده فبدء هو بفتح الموضوع حتى تتركه سريعا .
- الواد كان ناسي يروى النباتات
- صحيح أنت هتجيب النبتة اللى كلمتك عليها أمتى ؟
- الناس اللى بشتري منهم مش بيبيعوها
- طيب ما تشوف غيرهم .
- تانى ، من قبل أقسمت لك بالفانوس و بكشري أم محروس أن الموضوع مش فلوس و أن هذه النبتة لا تباع و لا تشتري ، أرسلت في طلبها إلى ألف مورد لم أترك رقم دليفري ألا و اتصلت به لم يقام معرض دولي أو محلي ألا و ذهبت ليس لها ألا مصدر واحد يذهب المرء أليه يتمشى بين ألاف النبتات ، النبتة هي من تختاره و ليس هو من يختارها ، عندما يمر بها صاحب النصيب يتغير لونها يعرف صاحب المكان أن أحدي نباتاته قد اختارت شخصا ما يجهزها و يعطيها له.
- طيب ما تروح تانى تجرب حظك .
- ذهبت آلاف المرات وحيدا و مع الأصدقاء أرتديت أفضل الحلل لم تختارنى أحداهن ، ذهبت بأسمال بالية لم يتغير الوضع ، وضعت العطور و أحيانا المساحيق علي وجهى ، ضحكت و بكيت ، ذهبت حزينا مكتئبا و ذهبت سعيدا فرحا ، ذهبت صباحا و مساء و ظهرا و فجرا ، لم أترك أحتمال واحد لأقتنائها لم أتطرق إليه .
- طيب اللى بتختارهم دول فيهم أيه يعنى مش فينا
- لم أترك هذا أيضا سألت و استقصيت عملت لمئات السنين كبوليس سري ، عرفت كل شيء عن المختارين ، و كانت النتيجة مذهلة ، لا يوجد آي مقاييس للاختيار تختار النبتات من كل الأعمار والأجناس و الأطوال و الأوزان و الألوان و المقاسات و الأديان و المذاهب الدينية و المهن ومن جميع الميول الجنسية و جميع الانتماءات الحزبية و الجماعات المحظورة و من مشجعي جميع الأندية اللهم باستثناء مشجعي نادي السكة الحديد ، و من أعضاء جميع الجمعيات و من أصحاب السوابق و أصحاب الصحيفة النظيفة ،تختار من السافرات و المحجبات و أشباه المحجبات و المختمرات و المنتقبات ، تختارمن الأغنياء و الفقراء ، من الأرستقراطيين و البسطاء ، من أولاد الأصول و أولاد الكلاب ، من ولاد السكان و ولاد البواب ، تختار من الملتحين بشنب و الملتحين بدون شنب و حليقي الوجوه ، تختار من العوانس و المتزوجات ، تختار من الصُلع و أصحاب الشعر ، و تختار من حاملي الرقم القومي و أصحاب البطاقات الورقية ، و من موظفى الحكومة و القطاع العام و القطاع الخاص و أصحاب الأعمال و العاطلين ،تختار من البورجوازيين و أصحاب الأفكار و المتخلفين عقليا ، باختصار من كل التصنيفات البشرية في الماضي و الحاضر و المستقبل حتى تقوم الساعة .
- طيب هو أنت بتشجع نادي السكة الحديد
- يا ستى ده مشجعينه أنقرضوا قبل الديناصورات
- أمال فيه أيه ؟ ليه مش عارفين نقتنيها
- يا ريت أعرف
- فالنذهب معك أنا و العسواقيل الصغار المرة القادمة
- برغم من عدم جدوى ذهابكم ، ألا أنى سأأخذكم حتى تتأكدي بنفسك و تكفى عن الإلحاح ، و لكن عليك أن تتأكدي من رعاية العسوقلان الصغيران لنبتات الموجودة فأنت تعرفين جيدا كم تعبت حتى أحضرتهم كادت نبتة الرضا أن تموت اليوم من الإهمال ، بعد أن ضحيت بمخلب العنقاء الموروث عن أسلافي حتى نتمكن من اقتنائها .
- حاضر .
خرجت فرجع العسوقل برأسه إلى الخلف متمنيا أن يرجع تشكل السحب مرة أخري .

( يتبع)
و ما زال الأهداء مستمرا للجحشان المذكوران اللى عارفين نفسهم كويس