٠٩ أغسطس ٢٠٠٧




كيس ملبس
قصة من مجموعة ع الطريق

أنطلق بسيارته الممعنة في القِدم خارجا من الضاحية التي يقطنها قاصدا الطريق الدائري ، قبل أن يصل لحدود الضاحية شاهدها تشير إليه نظر في المرآة علها تشير إلى ميكروباص يسير خلفه ، لم يجد غيره سائرا علي الطريق ، امرأة ترتدي السواد تحمل رضيعا و يمسك بجلبابها طفل أخر ، أعتاد أن يقل السائلين يعتبرها صدقة عن السيارة و يؤمن هو و كل من يري سيارته أنها لا تسير إلا ببركة من الله و استمرارها سائرة برغم قدمها و إهماله الشديد لها أكبر دليل على ذلك .
كانت شمس الصباح الساطعة تضرب عينيه بقوة لم يستطع معها تبين وجه المرأة جيدا ، توقف بعدها بخطوات قليلة شاهدا في المرأة أفضل قليلا مازالت كما تصورها ، سيدة غلبانة معها طفلين تحتاج إلى توصيلة ، انحنت قليلا عندما وصلت إلى نافذة السيارة و نظرت منها ، أندهش لكمية المساحيق على وجهها ، كاد أن يولى فرارا و لكن حرجه قيده .
- و حياة النبي تاخدنا معك لأول السريع .
- أتفضلي يا ست
همت بفتح الباب المجاور له لتجلس بجانبه ، رفض مشيرا علي حقيبته و الجاكت الذي تعود على وضعهما بجانبه فتح لهم بنفسه الباب الخلفي فدخلت و دخل طفليها أجلست الرضيع مع أخيه (أو الطفل الأخر) بجانبها.
- أن شالله يخليك
- شكرا
نظر إليها في المرآة لها ذلك الجمال البلدي الذي طالما أثار مخيلته أيام مراهقته الأولي ، بيضاء ذات عينين واسعتين عسليتين و فم صغير ذو شفتين غليظتين تبوحان بوعود حارة ، ووجه مستدير ،له ابتسامة أخاذة ليست بريئة و لا داعرة بل ابتسامة داعية ، نعم داعية إلى كل ما يتمناه رجل قارب الأربعين من عمره لم يغير طعم زوجته منذ ما يقرب من خمسة عشر عاما ، لولا المساحيق و صبغة الأكسجين لكانت أية في الجمال ، في الخامسة و العشرين تكبر أو تقل عامين على أقصى تقدير .
- أصل أنا بشتغل هنا
- بتشتغلي أيه ؟
- يعنى هيكون أيه يا حسرة ، فى شقة عند واحد بجيله كل كام يوم أنضف له الشقة
- ربنا يكون فى عونك
- بجري على أيتام و الله ، منه لله طردنى
- ليه؟
- ناس سو ، جيرانه منهم لله ضايقوه ، علشان عازب و فيه واحدة بتطلع عنده
- كل واحد منه لله
ها هي الصورة تتضح ، عاهرة بلا شك ، المساحيق و الشعر المصبوغ لا يتناغمان مع شغالة ، طالما تمنى ذلك ، تمنى أن يحدث له ما يسمعه من أصدقائه بينما يقف أحدهم في شارع جامعة الدول أو شارع الميرغني أو الطيران فيفتح باب السيارة و تدخل أحداهن ، بعضهن لا يوفقن علي الجنس الكامل و لكنهن محترفات في أمتاع الرجال بطرق شتي ،أخبره صديقة الخبير بأن متعة الجنس مع المحترفات تكمن فى أن هدف الطرفان يكون أمتاع الرجل وحده فالعاهرة لا تبحث عن المتعة و أنما عن المال و لا تستمتع بالعملية و أن أظهرت عكس ذلك و تدرك أنه كلما ذاد استمتاع الزبون زادت فرصتها في طلب المزيد من المال ، سيارته القديمة لا تؤهله لذلك فمن تلك العاهرة التي ستبحث عن الأموال في سيارة شحات ، برغم استعداده للدفع ، و لكن كيف ينافس السيارات الأخرى الحديثة التي تغري لمعتها و تألقها فتيات الليل ، ها هي الفرصة تأتى حتى عنده ، كل جسده يناديه أن يقتنص الفرصة ، و لكن شيء بداخله يخونه و لا يستجيب للنداء ، ارتسمت تكشيرة الوقار علي وجهه أراد أن يمسحها بيديه لو أستطاع ، تلك التكشيرة اللعينة التي وقفت في طريقه مئات المرات ذلك الوجه الجليدي الذي لا ينم عن آي انفعال .
- أنت محامي ( قالتها مشيرا إلى حقيبته)
- لأ و الله ، مش محامي
العاهرة تفتح معك حوار يا لخمة ، تحرك يا بهيم ، هذا ما قاله لنفسه ، جسده ينادي جسد المرأة يكاد يشم رائحتها ، ما زالت التكشيرة على وجهه و أن كانت عينيه تختلسان النظر للمرآة فيجدها مصوبة عينيها في وجهه و ابتسامة الدعوة تزداد أشعاعا ، متى تنهار مقاومة البهيم الداخلي فيك يا رجل ، تمنى أن تنهار قبل فوات الفرصة ، هل هو الجُبن ؟ نعم لا داعي لادعاء العفة ، أنت داعر في أحلامك ،حتى ابنة جارك التي تناديك بعمو لم تسلم من أحلامك الداعرة و نظراتك المختلسة و لكنك تحب المحافظة على مظهر المحترم .
- و الله الراجل الندل منزلنى أنا و العيال على لحم بطننا (ها هي تشير إلى مبيتها عنده)
- معلش
بدئت ابتسامتها تخبو و يحل محلها فتور شيئا فشيئا ، ثم قامت بمحاولة أخيرة ، نظر خلال المرآة فوجدها تعبث بصدرها ، نعم فكت بعض الأزرار حتى ظهر منبت الثديين و الأخدود بين جبلي النور يطير العقل و يشي بنضارة الجسد مدت يدها بالداخل و أخرجت بعض النقود الكثير من الفكة جنيهات و أنصاف و أربع و ضعتهم في حجرهم و مضت ترتبهم تاركة الفتحة الكبيرة كنافذة الرحمة للجسد الجائع إلى الطعم الجديد ، أصبح لا يري الطريق أمامه ينظر بكليته في المرآة مستمتعا فمع أتساع الفتحة كادت الرؤية تصل إلى أقسى ما يمكن أن ُيشاهد ، عدلت المرأة من وضعها إذ استقامت بظهرها كثيرا لتتيح له رؤية واضحة لاحظ ذلك جيدا أدرك أنها تعرض بضاعتها و عليه أن يبدأ الشراء ، و لكن هيهات أن تتحرك اللخمة .
- معاك تجمدلي شوية الفكة دول ينوبك ثواب ، عشرين جنيه بس ( ها هي تقول السعر أيضا)
ما زال أمامه الكثير من الوقت على موعده كما أنه موعد مع أصدقاء لن يضايقهم انتظاره أو حتى اعتذاره عن الذهاب يستطيع المضي معها كيفما شاء و كأن القدر يهيئ له الوقوع في الخطيئة ، لن يقع في الزنا يكفيه ما سمعه من أصدقاءه و لم يجرؤ على طلب تجربته مع زوجته .
- لا و الله ما معييش فلوس خالص
نظرت بضيق و أغلقت علي بضاعتها و كأنها تاجر يغلق باب دكانه في وجه زبون مُفلس شعر بنظراتها تقهره و كأنها تقول له أمال عمال تبحلق ليه يا .......
- نزلنا هنا
قلتها بينما يمرون من التحويلة من طريق ضاحيته إلى الطريق الدائري ، منطقة مقفرة لا يمر بها سوي سيارات النقل
- هنا (قالها مندهشا)
- أيوه
- أنت مش قلت عايزة تنزلي الدائرى
- هنا كويس (قالتها متحدية)
وقف ، لم تشكره دعت أطفالها للنزول برطمت ببعض كلمات أن لهم رب ، و سوف يرزقهم .
مضى ببطء ناظرا في المرآة شاهدهم و صورتهم تتضاءل أمامه ، ها هو يترك هذا الجمال لسائق نقل جلف ذو رائحة نتنة يفعل به ما يشأ ، أليس أحق بها منه ، استدار بالسيارة عازما أن يقهر لخمته و جُبنه ، أقترب منها ، وجد الابتسامة الداعية على الوجه من جديد و لكن موجهة للأرض هذه المرة ، لم تتحرك فلف بالسيارة ليكون بابه المجاور أمامها تماما ، هم بفتح الباب ، وقعت عينيه علي شي ملون في التابلوه كيس ملئ بالملبس و البسكويت نسيه أطفاله بالسيارة ليلا ، مد يده بالكيس و فتح النافذة فقط .
- خدي أكلي ده للعيال لحد ما توصلي
- ربنا يخليك أنت راجل طيب و نضيف
شاهد ابتسامة مختلفة هذه المرة و أحس بما فيها من أمتنان و احترام ، مضى بالسيارة مسرعا هذه المرة و لم ينظر في المرآة ، توقف بعد مسافة طويلة على جانب الطريق أخذ في سب نفسه بأقذع الألفاظ ، لا يعرف لماذا ، هناك شيء بداخله يؤنبه تأنيبا شديدا لم يفهم تماما هل يؤنب نفسه علي شيء فكر فيه أم شيء فعله أم على فعل لم يفعله .

تمت
البدري
الطريق الدائري
أكتوبر 2004