٢٨ نوفمبر ٢٠٠٧


تأملات العسوقل -2


كعادته دائما يأتي التنين الصيني في مقدمة السحب بجسده الثعباني الملتوي و جناحيه الصغيرين كم يعشق العسوقل هذا التنين ، كما يكره


التنين الأوروبي الضخم الصارم بجناحيه الكبيرين يطير واضعا يده علي قلبه أضعف مناطق جسده يتغذى على الفلاحين و الحطابين و أولادهم البسطاء و بعد طواف القرون يذهب مختارا كالجحش الأعمى ليهدي قلبه للفارس الذهبي لينال علامة النبل الأبدية هو و أسرته

.
أشم رائحة زفارة منذ هبوطنا هونج كونج -
تلك الرائحة فى كل الجزر-
- و ما هذا ؟
- ربما مهرجان و ما أدرانى
زوج من التنين الصيني يتصارعان على دقات الطبول صراع أشبه بالرقصة الرشيقة حولهم في دائرة كبيرة تقف فتيات جميلات يرتدين الثوب الصيني التقليدي الطويل ذو الشق الذي يبدأ من الذيل و ينتهي قرب الردفين ، ما أروعك أيها التنين ، أقتربت أحداهن بعد سماعه يتحدث مع زميله .
- عربي أنت
- نعم
- ما أسمك ؟
- العسوقل
- أنا أعرف عربي ، أتعلمه الأن حتى أعمل فى التسويق فى منطقة عربي ( قالتها و هى تبربش بعينيها الصغيرتين الجميلتين )
- بص يا عم الاحتلال الجديد .
- بس يا ريت يبقى كله حلو كده

المفترض أن يأتي بعد التنين الحصان الأبيض المجنح ، تخلف هذه المرة أو أرسل نائبه البحري ، حصان البحر ، بدا عملاقا أبيض و ليس أخضر مشوب بالحمرة كأحصنة راس محمد .
بعد انكسار المد يسرع العسوقل و زميليه إلى الدلاء المدفونة في الرمال ، يقومون بدفنها كفخاخ قبل قدوم الماء يغطيها البحر وقت المد ، تمتلئ بخيرات البحر ثم ينحسر الماء تاركا هدية غذائية للعسوقل و زميليه و قائدهم ردئ الصورة و الأخلاق ، يُخرجوا الدلاء من الرمال ، جمبري و أستكاوزا و أسماك يقومون بفرزها يحتفظ العسوقل دائما بدلو ملئ بالماء حتى يعود بالأسماك التي لا تؤكل للبحر ، ما فائدة قتل مثل تلك الكائنات الجميلة ، يجد فيما وجده سمكة حصان البحر، تبدو صغيرة في كفه الضخم لها لون أخضر جميل مشوب بحمرة زرقاء غاية في الروعة يتأملها تفتح فمها الصغير و تغلقه و تحرك زعنفتها الجانبية الحرة و تفرد زيلها ثم تبرمه في حلقات متداخلة
- أيه اللى معك ده
- حصان البحر هرجعه الميه
- لأ هاته
يعرف العسوقل ما سيفعله القائد رديء الصورة و الأخلاق بالحصان ، فهو بخيل و يحب أن يأتي بالهدايا المجانية فقط لخطيبته و ليس أفضل من هدايا البحر من أصداف و كائنات جميلة ، يربط السمكة من رأسها و ليس من زيلها حتى تقوم بطي زيلها كحلقات فيصبح شكلها أجمل تبدو السمكة كالمشنوق بلا ذنب ، يتركها في برد الليل معلقة لتجف تماما ، ثم يغطسها في الفلوت الذي يستولي عليه من ورشة الدهانات و يتركها تجف و يغطسها مرة أخري و يتركها تجف و هكذا حتى يغطيها بطبقة سميكة من الدهان الشفاف تبدو بعدها كشيء حزين ، عينها تجفان و يظهر مكانهما تجويفان باهتان يكلح لونها و تختفي الحمرة منها ليكون اللون صحرائي أصفر كلون النجيل الميت و لكنها هكذا ستصلح ميدالية لخطيبة سيادته .
- و حضرتك هتعمل بيها أيه ؟ ( محاولة أخيرة من العسوقل لإنقاذ حياة السمكة)
- و أنت مالك شوف شغلك و خلاص و سيب الجردل ده بقي باللى فيه أنا مش عايز حاجة ترجع للبحر
- يعنى أنت ترضى حد يعمل حضرتك ميدالية و يعلق فيك المفاتيح بتعته
- بقولك لايمها يا عسوقل و شوف اللى وراك من غير لاماضة خللي نهارك يعدي
- ما هو هيعدي هيعدي حد يقدر يمنعه ، المهم حضرتك هتأكل معانة شوربة سمك و لا أعملك سمك مقلي ، أصل الزيت شوية و مش هيقضينا كلنا .
- لأ شوية الزيت أعملي بيهم سمك مقلي و أنتم كلوا شوربة .
دوت ضحكة العسوقل و هو يتذكر استمتاع القائد رديء الصورة و الأخلاق بالسمك المقلي المتبل جيدا بالملح و الفلفل و الثوم و براز الفئران و طحين الصراصير الجافة .
دخلت زوجة العسوقل لبلكونة باب المشتل حاملة في أحدي يديها صينية عليها كوبين و في اليد الأخرى أخر السلالة العسوقلية يتلعبط على كتفها .
- بتضحك علي أيه ؟( سألت ضاحكة )
- حاجة افتكرتها
يبدو أنها تنوي مجالسته ، نظر للأعلى فقدت السحب أشكالها و عاد صوت الأغاني الناعق لدي أبن الجار (الوحيد الكريه الصايع) إلى أذني العسوقل و كان نعل الصندل ينهق بحمرة يا قوطة ، عندما تريد شيئا تبدأ حديثها معه بسؤاله عن أحوال العمل ، و أحوال أصدقائه ، يعرف ما تريده فبدء هو بفتح الموضوع حتى تتركه سريعا .
- الواد كان ناسي يروى النباتات
- صحيح أنت هتجيب النبتة اللى كلمتك عليها أمتى ؟
- الناس اللى بشتري منهم مش بيبيعوها
- طيب ما تشوف غيرهم .
- تانى ، من قبل أقسمت لك بالفانوس و بكشري أم محروس أن الموضوع مش فلوس و أن هذه النبتة لا تباع و لا تشتري ، أرسلت في طلبها إلى ألف مورد لم أترك رقم دليفري ألا و اتصلت به لم يقام معرض دولي أو محلي ألا و ذهبت ليس لها ألا مصدر واحد يذهب المرء أليه يتمشى بين ألاف النبتات ، النبتة هي من تختاره و ليس هو من يختارها ، عندما يمر بها صاحب النصيب يتغير لونها يعرف صاحب المكان أن أحدي نباتاته قد اختارت شخصا ما يجهزها و يعطيها له.
- طيب ما تروح تانى تجرب حظك .
- ذهبت آلاف المرات وحيدا و مع الأصدقاء أرتديت أفضل الحلل لم تختارنى أحداهن ، ذهبت بأسمال بالية لم يتغير الوضع ، وضعت العطور و أحيانا المساحيق علي وجهى ، ضحكت و بكيت ، ذهبت حزينا مكتئبا و ذهبت سعيدا فرحا ، ذهبت صباحا و مساء و ظهرا و فجرا ، لم أترك أحتمال واحد لأقتنائها لم أتطرق إليه .
- طيب اللى بتختارهم دول فيهم أيه يعنى مش فينا
- لم أترك هذا أيضا سألت و استقصيت عملت لمئات السنين كبوليس سري ، عرفت كل شيء عن المختارين ، و كانت النتيجة مذهلة ، لا يوجد آي مقاييس للاختيار تختار النبتات من كل الأعمار والأجناس و الأطوال و الأوزان و الألوان و المقاسات و الأديان و المذاهب الدينية و المهن ومن جميع الميول الجنسية و جميع الانتماءات الحزبية و الجماعات المحظورة و من مشجعي جميع الأندية اللهم باستثناء مشجعي نادي السكة الحديد ، و من أعضاء جميع الجمعيات و من أصحاب السوابق و أصحاب الصحيفة النظيفة ،تختار من السافرات و المحجبات و أشباه المحجبات و المختمرات و المنتقبات ، تختارمن الأغنياء و الفقراء ، من الأرستقراطيين و البسطاء ، من أولاد الأصول و أولاد الكلاب ، من ولاد السكان و ولاد البواب ، تختار من الملتحين بشنب و الملتحين بدون شنب و حليقي الوجوه ، تختار من العوانس و المتزوجات ، تختار من الصُلع و أصحاب الشعر ، و تختار من حاملي الرقم القومي و أصحاب البطاقات الورقية ، و من موظفى الحكومة و القطاع العام و القطاع الخاص و أصحاب الأعمال و العاطلين ،تختار من البورجوازيين و أصحاب الأفكار و المتخلفين عقليا ، باختصار من كل التصنيفات البشرية في الماضي و الحاضر و المستقبل حتى تقوم الساعة .
- طيب هو أنت بتشجع نادي السكة الحديد
- يا ستى ده مشجعينه أنقرضوا قبل الديناصورات
- أمال فيه أيه ؟ ليه مش عارفين نقتنيها
- يا ريت أعرف
- فالنذهب معك أنا و العسواقيل الصغار المرة القادمة
- برغم من عدم جدوى ذهابكم ، ألا أنى سأأخذكم حتى تتأكدي بنفسك و تكفى عن الإلحاح ، و لكن عليك أن تتأكدي من رعاية العسوقلان الصغيران لنبتات الموجودة فأنت تعرفين جيدا كم تعبت حتى أحضرتهم كادت نبتة الرضا أن تموت اليوم من الإهمال ، بعد أن ضحيت بمخلب العنقاء الموروث عن أسلافي حتى نتمكن من اقتنائها .
- حاضر .
خرجت فرجع العسوقل برأسه إلى الخلف متمنيا أن يرجع تشكل السحب مرة أخري .

( يتبع)
و ما زال الأهداء مستمرا للجحشان المذكوران اللى عارفين نفسهم كويس

٠٨ نوفمبر ٢٠٠٧


إهداء
إلى ألد أصدقائي (ن.ب) و (أ.ش) ردا علي اتهامكما لي أهدي إليكما هذا العمل


تأملات العسوقل


نافذة باب المشتل – يناير 2007
(1)
جلس العسوقل فوق الكف فاردا رجليه لترتاح قدميه فوق الديسك توب ، رد ظهره للخلف لمس قفاه الأصبع الأوسط للكف فشعر بدغدغة ما تسري في جسده كله و أرتاح لملمس الأصبع فوجه نظره لقطعة السماء المنحسرة بين أسطح أشباه المباني و التي يحلو له نسبها إلى أسمه فهي قطعة السماء العسوقلية ، لم يجرؤ على نسب القبة كلها إلى أسمه في الزمن التي كان يتأملها كاملة و يقضى لياليه متأملا نجومها لاعبا مع نيازكها حيث يتمدد علي ظهره في وادي المزرعية بين مدينتي الطور و شرم الشيخ عاش سنوات التيه الجميلة كتب كتابه علي الصحراء النظيفة و خانها ليلا مع القبة المتألقة و ماء المطر .
يرشف قليلا من مشروبه المتوهج و يمد طرف لفافته ليلامس النار الخضراء المرسومة على تي شيرت المُزة التي يستحضرها في خياله دائما ، يرجع مرة آخري برأسه يبدأ الأصبع الأوسط للكف بالتوغل في قفاه محاولا الوصول لبنات أفكار ، فينهره مهددا أياه بسلك الدش الممتد بلونه الأسود حتى الحدود المرئية للسماء العسوقلية ، كم يتمنى أن يبدء ظهور السحب المتشكلة ، لا يحب العسوقل السُحب المتراكمة التى تحيل الظهر مغرب و لكن تلك السحب المتفرقة الجميلة صاحبة الأشكال و الرسومات .
تحقق الأمنية و تبدء فى الظهور ، يحرك رأسه قليلا باحثا عن أفضل وضع لها حيث افتقدت الأصبع بعد أن أنتزعه من مكانه و شنقه بسلك الدش الأسود .
جاره اللعين لديه أبن وحيد و كريه و صايع ليس لديه ما يفعله سوي سماع الأغنيات بصوت عالي مزعج للجميع ، ينهق الصب ووفر الآن برائعة (خربانة) بدء التدهور بكراهية شعبان لإسرائيل و وصل للخربانة ، أخر مراحل الانهيار الغنائي في بيت العسوقل التي يسمح بها هي أغنية نار أو أفرض مثلا بصوت حكيم ، يرشف رشفات عصبية من مشروبه موجها نظرات كراهية شديدة لأبن الجار (الوحيد الكريه الصايع ) ، يفقد تماما تركيزه فى السُحب و عند مرور بائع أنابيب البوتجاز الملبوس بعفريت عازف الدرامز الزنجي والذي يتحكم به العفريت فيغرس الأرتعاشات فى شرجه لتتشنج يده الممسكة بالمفتاح محدثا هذا الصوت الرنان الكريه . .
ينادي العسوقل على أحد العسوقلين الصغيرين مذكرا إياه بمسئوليته عن ري نباتات المشتل الثلاثة نبتة الخوف و نبتة الحزن و نبتة الرضا ، يتجاهله العسوقل الصغير فيأتي هو بالرشاشات الثلاثة ليروى النباتات الثلاثة كل بما يخصها ، تبدو النباتات ممتنة ، يداعبه شئ من السكينة فيجلس مرة آخري على الكف ، و يبدأ بالفعل تشكل السحاب .
( يتبع )