كوهين يدخل الجنة
بسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
(لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا )
صدق الله العظيم
سورة الواقعة ، الأيات 25، 26
لأول وهلة لم يصدق كوهين نفسه .. فها هى الأشارة تسمح له بالمرور فى طريق مخالف لكافة أهله .. نعم .. ها هو يسير مع السعداء و تستقبله حور العين مع من تستقبل .. يرى الأنهار و الحدائق و قصور الذهب .. لم يفكر كوهين كثيرا فى حاله و لم يضيع وقته و لم يكدر سعادته بالتسأول عن مغذى وجوده هما ووجودهم هناك .. أستمتع مع أهل المكان بما حوله .. غاص فى أنهار الخمر و العسل .. شاهد و ذاق و سمع ما لا عين رأت و لا أذن سمعت .. سكن القصور و عاشر حور العيون و خدمه غلمان كالؤلؤ المكنون .
لا أحد يعرف لا هو و لا أنا و لا آى شخص كم مر عليه من الوقت و هو يشعر بالمتعة الغامرة ؟ .. فبل أن يتحرك أو يستيقظ شئ ما بداخله يتملل من ثباته .. ففى لحظة ما أو وقت ما حيث لا وجود للوقت أو الزمن قرر كوهين أن يفعل شيئا .
* * *
- مرحبا يا عبد الله (قالها كوهين ملاقيا أحد جيرانه)
- سلاما يا كوهين
- أريد أن أصنع معك صفقة أو معاهدة
- هات ما عندك يا أخى
- ما رأيك لو أستبدلت معك يوميا الماء بالعسل .. تعطينى أنت الماء و أعطيك أنا العسل ..ط
- لا مانع و أن كنت لا أفهم فالماء و العسل متاح للجميع
- نعم و لكن نهر الماء قريب من قصرك و نهر العسل قريب من قصري فما المانع فى التبادل
أستوقف الحوار أحد الحراس و لكن شعورا بالريبة لم يراوده ذلك لطبيعته الملائكية و كنه شعر بغرابة ما يحدث على المكان.
- هل أحضرت الماء ؟
- نعم . ها هو أناء من الماء
العذب من النهر
- أناء واحد من الماء ؟ (قالها كوهين مستنكرا)
- أراك أحضرت أناء عسل واحد أيضا
- يا أخى ، قلت لك العسل مقابل الماء و لم أحدد الكمية ، كان عليك أن تفهم العسل أعلى قيمة من الماء ، و الماء أدنى قيمة من العسل ألا تذكر حياتنا الدنيا على الأرض هل كان أناء الماء بأناء عسل .
- لسنا على الأرض بآى حال ، أليك أناء الماء و لا أريد منك شيئا يا أخى
- هل تنقض المعاهدة ؟
- خبرنى بما تريد
- سأستبدل معك يوميا أناء العسل بثلاثة أمثاله من الماء ، مع العلم أن قيمته تزيد عن عشرة أمثال.
- لا أفهم ، يطوف الغلمان بالأكواب بجانبى طوال الوقت و أخذ ما أشاء
- ألا تفهم متعة المبادلة ، و متعة أختزان المتاع و السلع ، ألا يمكن أن ينفذ نهر العسل ، و قتها تجد ما قمت بتخزينه
- نعم لا أفهم .. كفانى من هذا و أنا كائن أرضى دنيوى .. سلاما
- إلى أين ؟
- إلى نهر العسل يا أخى سأجلس على ضفته و ربما أسبح فيه قليلا أنا و أسرتى جميعا و نشرب منه ما نريد ، و لن ينفذ بأمر العلى القدير
و لثانى مرة يسمع الحارس الملائكى شئ غريب عليه تماما ، و وجد نفسه يتسأل أن كان ما سمعه عو ما يسمى جدلا ؟ ثم ما معنى كلمة قيمة ؟ و يردد فى نفسه أعلى قيمة .. أدنى قيمة ، ثم ما المقصود بالمبادلة و المعاهدة ؟ أخذته حيرة شديدة فأستعان بالله و سجل ما دار بين الرجلين بدقة و أخذه إلى كبيرهم .. و أعتٌبر هذا أول جدلا يحدث بالجنة .
* * *
لم يسترح كوهين .. أستغربن الحوريات حالته .. حاولن التسرية عنه بالغناء و بدئت أحداهم بالغناء بصوت لا يمكن أن يكون هناك وصف لجماله .. لم ينتبه للغناء ظل شارد الذهن يلوم نفسه ، يالى من غبى كم كانت الفكرة حمقاء فسواء العسل أو اللبن أو الماء و حتى الخمر كل موجود بوفرة و بكميات لا تحصى .. صدق الرجل لم نعد على الأرض و كل شئ هنا متوافر بكثرة ، أنتبه إلى صوت الحورية المغنية
- ما أعذب صوتك
قالها و عينيه تبرق ببريق غريب على الحورية و لم يري أحد أهل الجنة مثله من قبل
- سلاما يا أخى (قالها كوهين داخلا على جار أخر)
- سلاما يا أخي
- أريدك فيما هو خير لك
- جزاك الله خيرا .. قل ما لديك يا أخى
- ما رأيك لو أسبدلت معك حورية من حورياتى جميلة و لها صوت عذب لم تسمع مثله من قبل
- أعطانى الله جل و على منهم الكثير
- و لكنها ليث لها مثيل أن لها وجه لا تمل النظر إليه
- أكرمنى ربى بمثلها ، جعلهن الله جميها جميلات لا يمل المرء النظر إلى وجوههن
- صدقنى ، لا أخفيك سرا ، أن جسدها أنعم من الحرير (ثم مخفضا صوته و بنبرة خبث ) أنها ترتد عذراء بعد كل مرة
- اللاتى عندي يفعلن دلك
- لعابها له طعم الفاكهة
- مثل التى عندى أيضا
- و صوتها ألم أقل لك
- (يبدو عليه الحيرة و عدم الفهم) يا أخى سأوافق على المبادلة حتى أريحك فقط
- أذن أتنى بأثنين من حور العين لديك و سأحضرها لك حالا
- و لماذا أثنتين ؟
- أقسم أنها تساوي أكثر و لكنى سأكرمك للتعامل الأول بيننا
- أن كنت تريد أثنتين فلم لا تسأل الله أن يعطيك أنهن كثيرات و لكل ما يطلب و يشتهى .. أخبرنى ما أسمك يا أخى
- كوهين
- (نظر إليه الرجل متعجبا ) أرفض المبادلة (قالها بحسم)
- كما تشأ أذن سأستبدلها معك بواحدة على أن أختارها بنفسى
- أرفض المبادلة
- سأعطيك معها الكثير من الملابس و الحرير لها و لك أيضا
- لا
- وفوق الملابس لدي خاتمان من الماس خذهما أيضا
- لا . دعنى لشأنى . سلاما
و كان المحارس يرصد هذه المرة الحوار و يسجله بأمر من كبيرهم ، و سُجلت المجادلة الثانية فى الجنة.
* * *
كان كوهين يشعر بأحباط كبير فى طريق عودته .. تسأل فى نفسه عن سر النظرة المندهشة فى عينى الرجل عندما أخبره عن أسمه .. من فوق محفته الطائرة شاهد منزله من بعيد .. يبرق وسط المروج الملونة ببريق الذهب و الفضة و الجوهر.. أعجبه المشهد يالأرتفاعه الشاهق و فرشه الحريرية ، البُسط الناعمة و الفرش الوثير و النافورات المضية المغردة ، فكر أنه منزل يستحق أن يتسابق الجميع فى الحصول عليه .
بمجرد التفكير فى الهبوط نزلت به المحفة فى نعومة أمام المنزل ، شاهد قوم سائرون يتناجون سعداء.
- إلى أين يا أخوانى ؟
- سلاما يا أخى ، نحن فى طريقنا لزيارة أهلينا
- تفضلوا لمنزلى لتستريحوا
- نشكرك يا أخانا لا نشعر بالتعب
- أرجوكم ، أصر أن تدخولوا لتشاهدوا قصرى الجميل
- نحمد الله جميها على أكرامنا ببيوت فى الجنة ، لا مانع فلندخل
دخل القوم سعداء له بما أعطاه الله ، مضى بهم من غرفة إلى غرفة فى البيت الذى دعاه قصرا أبدي الجميع أستحسانهم شاكرين الله رب العالمين على أكرامهم ببديع صنعه ، أبدي كوهين سرورا غير معروف لأهل الجنة لأستحسانهم بيته .
- ما رأيكم فى قصرى
أنطلقت عبارات الأعجاب بما صنع الله و كل منهم يخص جزء من البيت بالمديح و الكل يشكرا الله شكرا كثيرا
- و الأن من منكم يريده ، و ماذا يعطينى مقابله
- أنا مستعد أن أستبدله معك ببيتى
- لاحظ أن به النافورة صانعة الموسيقى التى أعجبتك
- نعم ، كم أحبها
- أيضا سيزورك أصدقائك كثيرا لأن لكل منهم جانب يعجبه من القصر
- نعم ، سيزورنى أحفادي هؤلاء و سأكون سعيدا لقضائهم عندي وقت يمتعهم
- سأستبدله معك ببيتك و عليك أن تعوضنى ببعض الجوهر عن الفرق
- آى فرق؟
- بين قصرى و بيتك فقصرى قيمته أعلى
- لا يا أخى بيتى له نفس الأرتفاع أيضا
- أقصد أعلى فى القيمة ، أعنى لو أستبدل كل منا قصره أو بيته بالمال فسيكون ثمن قصرى أعلى من ثمن بيتك .
- ثمن ؟ عما تتكلم يا أخى . ما هو هذا المال؟
شرح أحد الأحفاد لجده معنى المال و القيمة و الثمن و كيف أن هذه الأشياء أستحدثت فى الحياة الدنيا بعد موته ، وقف الرجل حائرا لا يفهم شيئا .
- هه ... ماذا قلت يا سيدي؟
- هيا يا أبنائى لنمضى فيما كنا فيه قبل مقابلة هذا الرجل ، سلاما يا أخى
- أنتظر يا أخى ، دعك من مقدار المال الزائد ، قصرى مقابل بيتك فقط .
- بدئت محفاتهم ترتفع و عبارات السلام تلقى على كوهين و هو مازال يزايد و يساوم
* * *
مضى الملاك مسرعا بالمجادلة الثالثة إلى من هو أعلى منه ، و أتُخذ قرار ما ، فذهب ملاكان صارمان إلى بيت كوهين و أمره أحدهما بالأسراع معه ، مشى كوهين و هم ورائه يأمرونه بأتجاه السير ، فهم أنهم فى الطريق للخارج ، دمعت عينه حزنا على النعيم الذى عاشه فى الفترة الماضية ، و لكن لاحت فى عينيه نظرا ما ، وشت بأحساس مستحيل أن يراود من كان فى مكانه و موقفه ، بل أجدنى محرج و أنا
أقول أن كوهين كان يشعر ...... نعم كان يملاءه شعور.......... بالراحة .
تمت بحمد الله
محمد البدرى

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق