٢٤ أبريل ٢٠٠٧

ع الطريق
(3)
مقابر الأمام الشافعى - 12 يناير 1998
هو


(1)

رأيتني معه "هو" في شارع فسيح ، كان الشارع مفروش بالحصر الأخضر البلاستيك (فأوقفنا السيارة خارج الشارع بعيدا عن المسجد) استعدادا لاستقبال المصلين ، بدا أنه سيستقبل الآلاف منهم ، أبدى "هو" استعداد للمساعدة في فرش الحصر و تغطية المساحات الظاهرة من الإسفلت بل شرع فعلا في ذلك ، وقفت أتفرج عليه و لم أساعد ، توقعت أن يكون داخل الجامع مزدحما نظرا للاستعدادات بالخارج ، بدا عكس ذلك تماما ، يكاد يكون خاويا ، قابلت "الأخر" يخرج من المسجد حاملا حذاءه قبل أن تبدأ الصلاة ، توقعت أنه سيصلى بالخارج (و لم أفهم لماذا؟) ، سلم على باشتياق أصدقاء مضى زمن على أخر لقاء ، بدا رث الملابس على غير العادة ، توقعت أن يطلب منى أن ألاقيه بعد الصلاة خارج المسجد و لكنه طلب موعد للأسبوع القادم ، أتغرز نابه في خدي و أنا أقبله مودعا ، أختفي "هو" من جانبي عند بدء الصلاة ، بدئت الصلاة و الأمام يجلس ظهره للقبلة وجهه لنا (و لا أحد يستنكر) ظننته قعيدا لا يستطيع النهوض بدا ضئيل وهو جالس بعباءته البنية و شعر لحيته الخفيف و الطويل جدا و عينيه العسليتين ، كنت أصلى في الصف الثاني ، مع أول ركعة أخطاء الصف الأول فغضب الأمام غضبة شديدة و قام واقفا فبدا عملاق عكس ما كنت أظنه وطلب رجوع الصف الأول للمؤخرة فوجدتني في المقدمة أكاد أكون أنا الأمام ، كانت جارية الأمام تنظم الصفوف ترتدى رداء غير محتشم بالنسبة للمسجد كان جسدها جميلا أما وجهها فكان قبيح جدا ، فجأة أختفي الجميع ووجدتني مرة أخرى مع "هو" وحدنا كان يختم صلاته مبتسما و كنت أحاول أيجاد القبلة لأصلى و كان يرشدني و بدئت أخيرا مع عدم وثوقي في اتجاه القبلة ، انتهيت سريعا وجلست أختم صلاتي مع "هو" كان المسجد خاويا ألا منا ، دخل شخص يبدو عليه البله كان وجهه يشبه وجه الأمام و لكن بدون لحية يرتدى بنطلون بيجامة مع تى شيرت أحمر ملابسه غير مهندمة و لكنها نظيفة جدا مثل وجهه بدا أنه خرج لتوه من حمام طويل ، كان يمسك بيده مسدس صغير جدا مثل الألعاب صاح بصوت ولهجة مضحكين موجها مسدسه باتجاه "هو" (طلقة رصاص) ثم أطلق كان الصوت ضعيف غير مدوي كنت مازلت أضحك حتى رأيت "هو" يسقط متألما بدت عليه معانة الألم الشديد ،وجه المجنون المسدس نحوى و أطلق نفس الصيحة، سكين من الرعب أنغرز في قلبي بقوة رعب لم أشعر به في حياتي حتى أثناء مواجهتي للزلزال لأول مرة ، تحركت سريعة متدحرجا على الحصر فلم تصبني الأولى فأطلق ثانيا و أنا أبتهل لله أن ينجدني و بالفعل تعطل مسدسه و لم يطلق ، نظرت إلى هو فوجدته جامدا فأيقنت بموته فقمت غاضبا أضغط على أسناني ، أواجه المجنون أنطلق يعدو خارج المسجد و أنا وراءه كانت مطاردة طويلة جدا شوارع واسعة وحواري مبلطة و فوق سور القاهرة ثم تلال من أحجار ثم منطقة رمال عبرت فوق الكل حافي القدمين كما خرجت من المسجد، حاول أكثر من مرة أن يستدير و يطلق على و نجح مرتين أو ثلاثة و لكنه لم يصيبني ، أخيرا أمسكت به بجوار طفح المجارى أمام قسم الشرطة ، غرزت أسناني في رقبته و كلما تأوه زاد ضغطي ، حتى استكان تماما ، ربما مات ، ذهب الغل و هدأت فوجدت "هو" قادم علي وجهه ابتسامة جميلة ، فعرفت أنه راحل صحت فيه .........لا تتركني .
(2)
عدت إلى المسجد ، مازلت حافي القدمين "هو" يمشى خلفي ، طلبت منه مرات أن يمشى بجواري ، لم يرد ، دخلت لمكان الوضوء
غسلت الدماء عن وجهي و توضأت و حاولت أن أهندم ملابسي كنت أتكلم مع "هو" أثناء ذلك لم يرد مرة واحدة و ظللت أتكلم شئ ما تغير في وجهه يبدو أن ملامحه تطمس شيئا فشيئا ، مع ذلك لم أتعجب بل وجدت التغيير أجمل شئ ما فى شكله الجديد يشعرني بالراحة ، اقترحت عليه أن نذهب للمقهى أومأ إلى الجثة الموضوعة بجوار باب المسجد من الداخل ، كان فعلا ثمة جثة للرجل موضوعة في الكفن و مجهزة للدفن و لكن لم تكن في خشبه كما جرت العادة ، بجوار الجثة بعض الناس نظرت لوجوههم أعرفهم جميعا ترددت في الذهاب للتعزية أو حتى إلقاء التحية نظر "هو" إلى فهمت أنه لا يريد الذهاب ، علا صوت المؤذن بالأذان تأهب هو لصلاة السنة ، أحسست بطعم دم المجنون مازال في فمي فعدوت مرة أخرى إلى الميضة و توضأت مرة أخرى ، وجدتهم أقاموا الصلاة سريعا لم يكن المسجد مزدحما لم تتجاوز الصفوف ثلاث مع ذلك وجدت الجميع يدفعني برفق إلى الصف الأول وقفت و كان "هو" بجانبي تماما و أن كان كتفي يلامسان شخصين آخرين كانت الصلاة صامتة فعرفت أننا نصلى الظهر أو العصر ، أنهى الأمام الصلاة سريعا وجدت من يحتضنني كان رجلا مهيبا أعرفه (أبكى يا أبني ما تعملش كده في نفسك) قلت (حاضر) لم أفهم لماذا يريدني أن أبكى مع ذلك بكيت حتى جاءني "هو" لم يتكلم و فهمت أنه يعاتبني على البكاء ، وجهه صار أجمل كثيرا ، حمل البعض جثة الميت بدون خشبه ووضعوها قريبة من محراب الأمام ، وقف الأمام على رأس الميت ناظرا إلى المصلين شارحا صلاة الجنازة (صلاة الجنازة أربع تكبيرات في الأولى نقول التشهد و و بعد التكبيرة الثانية ندعو......................) كان يتكلم سريعا جدا لم أتعلمها بعد و بدء الصلاة نظرت إلى "هو" مستنجدا فطمئنني صاح الأمام (الله أكبر) صاح الجميع ورائه (الله أكبر) قلتها بصوت خفيض جدا لم أستطيع لسبب ما أن أعلو بصوتي رهبة الوقوف بين يدي الله تمنعني من الصياح مثلهم (الله أكبر) التكبيرة الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة فالسلام عليكم مرة واحدة فعلت مثلهم بدئوا يعدون للجنازة و ذهب جمع من المصلين لركن من المسجد ليقيموا الحضرة ، انجذبت للركن الحضرة بدئت على الفور كان ثمة منشد قوى الصوت جميله يبكى صوته بكاء عذبا مع بردة الأمام البوصيرى (محمد أشرف الأعراب كلهم ) ينشدها بمصاحبة أربعة رجال يكررون رتم بلهجة سودانية لا أعرفها و أن كنت أميز بعض ألفاظها و الباقين يرددون بإيقاع منغم (لا أله إلا الله) ، أسرع "هو " آلي دعاني لأشترك في الجنازة حاولت أن أذكره بحبي الشديد لهذه القصيدة و هذه الحضرة و طريقة الإنشاد رفض تماما في حسم فقمت معه الكثير من الأيدي ساعدتني على النهوض برغم عدم احتياجي ، خرج الميت أولا موضوعا في خشبه الآن ، دخلت الخشبه السيارة الكبيرة و ركبنا سيارتي جلس "هو " بجانبي و دخل أخر بجواره تعجبت كيف يسعهما هذا الكرسي ، عرض أحد ما على أن يسوق بدلا منى نظرت إلى "هو" فرفض فرضفت أنا أيضا سرنا خلف السيارة الكبيرة بهدؤ و مهابة حتى المقابر القريبة جدا من المسجد ، كانت التربة مفتوحة و نصف جسد التربى يطل من فسقيتهة شاهد التربى أوراقا مع أحدهم ثم سمح بفتح الخشبه علا صوات بعض النساء و بعض الرجال ينهرهن ، امتدت بعض الأيدي تسندني فصحت فيهم أن يتركوني ففعلوا دعاني "هو" للنزول إلى التربة فنزلت لحظات بالداخل لم أرى شيئا حتى اعتادت عينى على الظلام تلقفنا الجسد مع التربى و الرجل المهيب يتلو آيات من القرآن عدلنا وضعه و فك أحدهم الأربطة السبعة ثم أمسك الرجل المهيب بيدي لأخرج فأذعنت له ، بدء التربى يغلق القبر كدت أضربه أو أقتله فـ"هو" لم يخرج بعد فوجدت "هو" يمسك بيى ليمنعنى من قتله ، الجميع يربت على كتفى و يدعونى بالصبر و البعض ينصحنى بالبكاء ، أمى توصى أصدقائى ألا يتركونى وحيدا مهما حدث ، و أنا لا أفهم ربما يكون الميت أحد أقاربى ، أنتهت أجراءات الدفن و العزاء و غادر الجميع الحوش و سحبني الرجل المهيب بهدوء نظرت إلى "هو" فوجدته مازال واقفا عند القبر لا يبرح مكانه هممت بالعودة فرجاني الا أفعل خرجت مع الرجل المهيب بهدؤ فقد فهمت أن "هو" لم يعد صديقي الآن ........... فبكيت

١٧ أبريل ٢٠٠٧

كوهين يدخل الجنة



بسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
(لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا )
صدق الله العظيم
سورة الواقعة ، الأيات 25، 26



لأول وهلة لم يصدق كوهين نفسه .. فها هى الأشارة تسمح له بالمرور فى طريق مخالف لكافة أهله .. نعم .. ها هو يسير مع السعداء و تستقبله حور العين مع من تستقبل .. يرى الأنهار و الحدائق و قصور الذهب .. لم يفكر كوهين كثيرا فى حاله و لم يضيع وقته و لم يكدر سعادته بالتسأول عن مغذى وجوده هما ووجودهم هناك .. أستمتع مع أهل المكان بما حوله .. غاص فى أنهار الخمر و العسل .. شاهد و ذاق و سمع ما لا عين رأت و لا أذن سمعت .. سكن القصور و عاشر حور العيون و خدمه غلمان كالؤلؤ المكنون .
لا أحد يعرف لا هو و لا أنا و لا آى شخص كم مر عليه من الوقت و هو يشعر بالمتعة الغامرة ؟ .. فبل أن يتحرك أو يستيقظ شئ ما بداخله يتملل من ثباته .. ففى لحظة ما أو وقت ما حيث لا وجود للوقت أو الزمن قرر كوهين أن يفعل شيئا .
* * *
- مرحبا يا عبد الله (قالها كوهين ملاقيا أحد جيرانه)
- سلاما يا كوهين
- أريد أن أصنع معك صفقة أو معاهدة
- هات ما عندك يا أخى
- ما رأيك لو أستبدلت معك يوميا الماء بالعسل .. تعطينى أنت الماء و أعطيك أنا العسل ..ط
- لا مانع و أن كنت لا أفهم فالماء و العسل متاح للجميع
- نعم و لكن نهر الماء قريب من قصرك و نهر العسل قريب من قصري فما المانع فى التبادل
أستوقف الحوار أحد الحراس و لكن شعورا بالريبة لم يراوده ذلك لطبيعته الملائكية و كنه شعر بغرابة ما يحدث على المكان.
- هل أحضرت الماء ؟
- نعم . ها هو أناء من الماء

العذب من النهر
- أناء واحد من الماء ؟ (قالها كوهين مستنكرا)
- أراك أحضرت أناء عسل واحد أيضا
- يا أخى ، قلت لك العسل مقابل الماء و لم أحدد الكمية ، كان عليك أن تفهم العسل أعلى قيمة من الماء ، و الماء أدنى قيمة من العسل ألا تذكر حياتنا الدنيا على الأرض هل كان أناء الماء بأناء عسل .
- لسنا على الأرض بآى حال ، أليك أناء الماء و لا أريد منك شيئا يا أخى
- هل تنقض المعاهدة ؟
- خبرنى بما تريد
- سأستبدل معك يوميا أناء العسل بثلاثة أمثاله من الماء ، مع العلم أن قيمته تزيد عن عشرة أمثال.
- لا أفهم ، يطوف الغلمان بالأكواب بجانبى طوال الوقت و أخذ ما أشاء
- ألا تفهم متعة المبادلة ، و متعة أختزان المتاع و السلع ، ألا يمكن أن ينفذ نهر العسل ، و قتها تجد ما قمت بتخزينه
- نعم لا أفهم .. كفانى من هذا و أنا كائن أرضى دنيوى .. سلاما
- إلى أين ؟
- إلى نهر العسل يا أخى سأجلس على ضفته و ربما أسبح فيه قليلا أنا و أسرتى جميعا و نشرب منه ما نريد ، و لن ينفذ بأمر العلى القدير
و لثانى مرة يسمع الحارس الملائكى شئ غريب عليه تماما ، و وجد نفسه يتسأل أن كان ما سمعه عو ما يسمى جدلا ؟ ثم ما معنى كلمة قيمة ؟ و يردد فى نفسه أعلى قيمة .. أدنى قيمة ، ثم ما المقصود بالمبادلة و المعاهدة ؟ أخذته حيرة شديدة فأستعان بالله و سجل ما دار بين الرجلين بدقة و أخذه إلى كبيرهم .. و أعتٌبر هذا أول جدلا يحدث بالجنة .
* * *
لم يسترح كوهين .. أستغربن الحوريات حالته .. حاولن التسرية عنه بالغناء و بدئت أحداهم بالغناء بصوت لا يمكن أن يكون هناك وصف لجماله .. لم ينتبه للغناء ظل شارد الذهن يلوم نفسه ، يالى من غبى كم كانت الفكرة حمقاء فسواء العسل أو اللبن أو الماء و حتى الخمر كل موجود بوفرة و بكميات لا تحصى .. صدق الرجل لم نعد على الأرض و كل شئ هنا متوافر بكثرة ، أنتبه إلى صوت الحورية المغنية
- ما أعذب صوتك
قالها و عينيه تبرق ببريق غريب على الحورية و لم يري أحد أهل الجنة مثله من قبل
- سلاما يا أخى (قالها كوهين داخلا على جار أخر)
- سلاما يا أخي
- أريدك فيما هو خير لك
- جزاك الله خيرا .. قل ما لديك يا أخى
- ما رأيك لو أسبدلت معك حورية من حورياتى جميلة و لها صوت عذب لم تسمع مثله من قبل
- أعطانى الله جل و على منهم الكثير
- و لكنها ليث لها مثيل أن لها وجه لا تمل النظر إليه
- أكرمنى ربى بمثلها ، جعلهن الله جميها جميلات لا يمل المرء النظر إلى وجوههن
- صدقنى ، لا أخفيك سرا ، أن جسدها أنعم من الحرير (ثم مخفضا صوته و بنبرة خبث ) أنها ترتد عذراء بعد كل مرة
- اللاتى عندي يفعلن دلك
- لعابها له طعم الفاكهة
- مثل التى عندى أيضا
- و صوتها ألم أقل لك
- (يبدو عليه الحيرة و عدم الفهم) يا أخى سأوافق على المبادلة حتى أريحك فقط
- أذن أتنى بأثنين من حور العين لديك و سأحضرها لك حالا
- و لماذا أثنتين ؟
- أقسم أنها تساوي أكثر و لكنى سأكرمك للتعامل الأول بيننا
- أن كنت تريد أثنتين فلم لا تسأل الله أن يعطيك أنهن كثيرات و لكل ما يطلب و يشتهى .. أخبرنى ما أسمك يا أخى
- كوهين
- (نظر إليه الرجل متعجبا ) أرفض المبادلة (قالها بحسم)
- كما تشأ أذن سأستبدلها معك بواحدة على أن أختارها بنفسى
- أرفض المبادلة
- سأعطيك معها الكثير من الملابس و الحرير لها و لك أيضا
- لا
- وفوق الملابس لدي خاتمان من الماس خذهما أيضا
- لا . دعنى لشأنى . سلاما
و كان المحارس يرصد هذه المرة الحوار و يسجله بأمر من كبيرهم ، و سُجلت المجادلة الثانية فى الجنة.
* * *
كان كوهين يشعر بأحباط كبير فى طريق عودته .. تسأل فى نفسه عن سر النظرة المندهشة فى عينى الرجل عندما أخبره عن أسمه .. من فوق محفته الطائرة شاهد منزله من بعيد .. يبرق وسط المروج الملونة ببريق الذهب و الفضة و الجوهر.. أعجبه المشهد يالأرتفاعه الشاهق و فرشه الحريرية ، البُسط الناعمة و الفرش الوثير و النافورات المضية المغردة ، فكر أنه منزل يستحق أن يتسابق الجميع فى الحصول عليه .
بمجرد التفكير فى الهبوط نزلت به المحفة فى نعومة أمام المنزل ، شاهد قوم سائرون يتناجون سعداء.
- إلى أين يا أخوانى ؟
- سلاما يا أخى ، نحن فى طريقنا لزيارة أهلينا
- تفضلوا لمنزلى لتستريحوا
- نشكرك يا أخانا لا نشعر بالتعب
- أرجوكم ، أصر أن تدخولوا لتشاهدوا قصرى الجميل
- نحمد الله جميها على أكرامنا ببيوت فى الجنة ، لا مانع فلندخل
دخل القوم سعداء له بما أعطاه الله ، مضى بهم من غرفة إلى غرفة فى البيت الذى دعاه قصرا أبدي الجميع أستحسانهم شاكرين الله رب العالمين على أكرامهم ببديع صنعه ، أبدي كوهين سرورا غير معروف لأهل الجنة لأستحسانهم بيته .
- ما رأيكم فى قصرى
أنطلقت عبارات الأعجاب بما صنع الله و كل منهم يخص جزء من البيت بالمديح و الكل يشكرا الله شكرا كثيرا
- و الأن من منكم يريده ، و ماذا يعطينى مقابله
- أنا مستعد أن أستبدله معك ببيتى
- لاحظ أن به النافورة صانعة الموسيقى التى أعجبتك
- نعم ، كم أحبها
- أيضا سيزورك أصدقائك كثيرا لأن لكل منهم جانب يعجبه من القصر
- نعم ، سيزورنى أحفادي هؤلاء و سأكون سعيدا لقضائهم عندي وقت يمتعهم
- سأستبدله معك ببيتك و عليك أن تعوضنى ببعض الجوهر عن الفرق
- آى فرق؟
- بين قصرى و بيتك فقصرى قيمته أعلى
- لا يا أخى بيتى له نفس الأرتفاع أيضا
- أقصد أعلى فى القيمة ، أعنى لو أستبدل كل منا قصره أو بيته بالمال فسيكون ثمن قصرى أعلى من ثمن بيتك .
- ثمن ؟ عما تتكلم يا أخى . ما هو هذا المال؟
شرح أحد الأحفاد لجده معنى المال و القيمة و الثمن و كيف أن هذه الأشياء أستحدثت فى الحياة الدنيا بعد موته ، وقف الرجل حائرا لا يفهم شيئا .
- هه ... ماذا قلت يا سيدي؟
- هيا يا أبنائى لنمضى فيما كنا فيه قبل مقابلة هذا الرجل ، سلاما يا أخى
- أنتظر يا أخى ، دعك من مقدار المال الزائد ، قصرى مقابل بيتك فقط .
- بدئت محفاتهم ترتفع و عبارات السلام تلقى على كوهين و هو مازال يزايد و يساوم
* * *
مضى الملاك مسرعا بالمجادلة الثالثة إلى من هو أعلى منه ، و أتُخذ قرار ما ، فذهب ملاكان صارمان إلى بيت كوهين و أمره أحدهما بالأسراع معه ، مشى كوهين و هم ورائه يأمرونه بأتجاه السير ، فهم أنهم فى الطريق للخارج ، دمعت عينه حزنا على النعيم الذى عاشه فى الفترة الماضية ، و لكن لاحت فى عينيه نظرا ما ، وشت بأحساس مستحيل أن يراود من كان فى مكانه و موقفه ، بل أجدنى محرج و أنا

أقول أن كوهين كان يشعر ...... نعم كان يملاءه شعور.......... بالراحة .
تمت بحمد الله



محمد البدرى




١٥ أبريل ٢٠٠٧

ع الطريق
(1)
محطة مترو الميرغنى – 1992
مرضان

كان علي يومها أن أصل مصر الجديدة خلال ساعة على الأكثر ، عمل جديد و مدير غتيت كاعادة ، لاوقت أذن لتناول الغداء برغم جوعى الشديد لم أجد فى الميدان الكبير سوي كشك السجائر فشتريت بسكويت بالشيكولاتة ، و جلست أنتظر المترو ، أخرجت الأولى من جيب المعطف و أخذت فى أكلها ببطء حتى تعطينى أحساس بالشبع .

كان بجانبى و أن كنت لم أنتبه هل سبقنى أم لحق بي ، قذارته يصعب وصفها ، بيده عقلة قصب أحترت أن كان وجدها بهذه القذارة أم أن يديه هى التى أصابتها بالوسخ ، بللت عصارة القصب مع ريقه ذقنه و أخذت الأوساخ نازلة حتى رقبته الدقيقة لتصنع كتل صغيرة سوداء مقززة ، كما ساهم أنفه النزناز فى طمس ملامح طفولته الشديدة الروعة ، و هذا حال وجهه فلا أجد داعيا لوصف أثماله أو قدميه الحافيتين .
نظرت لكتلة القذارة بجانبي فبادلتنى النظر بعينين لامعتين لونهما عسلى رائق (كم أنت رائع فى خلقك يا الله) ، كان عينيه أية فى الجمال و كأنهما ماستين لا تستطيع الأتربة و الأوساخ أن تنال من تألقهما ، أخرجت الباكو الثانى من جيبى و مددت يدى فى أتجاهه ، كم كنت جبانا منحطا حيث خشيت أن تتلامس أيدينا ، نعم خشين أن تصاب أطراف أناملى من لحوسته ، أخذها بدون شكر ، و بنظرات ممتنة ، عله لا يعرف كلمات شكر . وضع عقلة القصب بجانبه ضحكت فى نفسى ، فلن يصيبها المقعد الحجرى من الوسخ بأكثر مما أصابتها يديه ، و تذكرت أمى كيف كانت تمنعنا من أكل آى شئ سقط على أرضية المنزل شديدة النظافة .
بحرص شديد حاول فتح الغلاف و لم ينجح نظر نحوى و مد يده
- أفتحها لى .
قمت بما طلب غير عابئ هذه المرة بما أصاب الغلاف ، أخرجت منديل ورقى ، و قدمته له .
- أمسح أنفك .
أستجاب بلا ممانعة بل بدا ممتنا ، وجد صورة بداخل الباكو .
- شوف لقيت أيه ، أنت عندك ألبون ؟
- لأ ، و أنت ؟
- ماعنديش لكن نوسة عندها
- طيب ، أعطى الصورة دي لنوسة
- لأ أنا هأجيب ألبون عشان أكسب الكمرة أو الأتارى ، فين الصورة بتاعتك ؟
بحثت عن الصورة حولى كانت داخل الغلاف الذى ألقيته على الأرض بجانبى أخرجتها له و فردتها جيدا فوضعها مع صورته بحرص فى جيب أثماله ، و قام واقفا فجأة و أستعد كمن سيلقى خطبة ما
- مش هأكسب كمرة و لا أتاري ، هأكسب فديون و مش هأخلى محسن المعفن يشوف معايا
- محسن مين ؟
- عم محسن المعفن (أكتشفت فيما بعد أن هذا فعلا ما ينادي به محسن صبى القهوة) فى القهوة عند الكابتن حلمى (الكابتن حلمى لاعب كرة سابق جدا و صاحب قهوة الأن) ، كل ما أقعد علشان أشوف الفيلم الهندي بتاع أميتا بشان يروح طاردنى على طول .
- ساكن فين ؟
- مع أبويا و أمى .
- فين يعنى ؟ بيتك بعيد
- لأ ورا الحيطة الكبيرة دى على طول ، معاك تانى (قالها ناظرا إلى الغلاف الفارغ بيده)
- دلوقتى لأ ، لكن بكرة زى دلوقت أستنانى هنا و أنا أجيب لك تانى ، و أجيبلك الألبوم كمان
- و النبي ؟ (قالها بفرحة شديدة غير مصدقة)
- و النبى ..... بس تغسل وشك كويس
- طيب ... أنت أسمك أيه ؟
- عبد الرحمن .... و أنت ؟
- مرضان
- رمضان؟
- مرضان
- لأ أسمك رمضان قول أسمك صح
- رمضان
- شاطر يا رمضان
ثرثر رمضان كثيرا عن محسن و عن نوسة التى لن تكسب أبدا لأنها تضربه و تقذفه بالطوب و لا تتركه أبدا يشاهد ألبونها ، أشعلت سيجارة .
- لأ السجاير بتموت
- مين قال كده ؟
- أمى بتقول لأبويا و أخويا الكبير
- أنت خايف لموت
- علشان تيجى بكرة ......









(2)
باب قهوة الأنشراح – عابدين 1991
مناديل

قبل أن تطأ قدمه الثانية أرض المقى ، سمع صوتها الواهن (مناديل ... مناديل يا عمو) نظر لأسفل .. ضئيلة جدا ... طفلة جدا ... أين دميتك يا حبيبتى و منديل أمك لينظف ذلك الأنف المنمنم ، (مناديل يا عمو ) .. فى جيبه الورقة الأخيرة جنيه واحد نصفه لكوب من الشاي و النصف الأخر لصبى القهوة كما تعود أن يجزل له العطأ نظير نداء ، (الشاي بتاع الباشا الكبير) ، ربما قابله على القهوة من يجعله أغنى قليلا ، و لكن لا داعى للأحراج مع صبى المقهى ..أذهبى عنى بعينيك العسلية الرائعة.. و كأنها أحست غريزيا برقة قلبه و ضعفه أمام طفولتها (و النبي يا عمو تاخد واحد) هكذا توسلت و هكذا أخرج جنيهه اليتيم من جيبه .. دعك من صبي المقهى لك يا حبيبتى نصفه و لى نصفه الأخر ثمن كوب الشاى الوحيد الذى أنوى طلبه لحين قدوم من أتوقع قدومه ، (معك فكة ) قالتها و هى تخرج كيسا أخر .
- واحد كفاية
- و النبي يا عمو
- .........
خرج من باب المقهى أو أخرج قدمه التى بالداخل حاملا كيسي المناديل مفكرا أنه قد تكون لهما فائدة أذا لم يأتى من وعده .... و هكذا فكر ....


(4)
الحلمية الجديدة – 2003
من العين السحرية

رحم الله قوم سكنوا الدور العشرين ، سادس دور بلا مصعد هو العذاب .. لم يعد السن يسمح بالتحامل على الجسد أو أدعاء عدم الأرهاق .. الظلام شديد الوطئة و ضيق السلم يجسد رائحته العطنة .. لا يوجد هنا نهار اليوم كله ليل فقط .. لا تكاد ترى موقع قدمها .. أخيرا الوصول إلى باب الرحمة .. تضغط الزر فيصدر الصوت المتكرون المزعج الذى تكرهه .. الضغطة الأولى كانت خجلة قصيرة ، ضغطة ضيف خجول .. تذداد مدة الضغط على زر الكروان مرة بعد أخرى تقاوم شبح العودة بالصوت المزعج المتكرر .. ظهرت الحيرة على الوجه الوسيم المجعد .. تتوتر حركات جسدها ، تسوي وضح الطرحة المستوية ، تتكئ على قدم واحدة و تستبدلها بالأخرى بعد فترة قصيرة .. تومئ لشخص غير موجود .. تبدو كمن تحدث نفسها
- هو ما فيش حد هنا ؟
- (ترد على نفسها) بيّن مافيش حد
تكاد دموعها تتساقط .. تترك أصبعها على رز الكروان و تستخدم يدها الأخرى فى الطرق بعنف يأس ، يختلط الصوتان بضجة مزعجة .. يفتح الباب فجأة .. ترتمى فى الحضن الذى لم يكن يتوقعها و يتحقق ما كادت أن تيأس منه .. أذ أُغلق الباب و هى بالداخل .