هو
(1)
رأيتني معه "هو" في شارع فسيح ، كان الشارع مفروش بالحصر الأخضر البلاستيك (فأوقفنا السيارة خارج الشارع بعيدا عن المسجد) استعدادا لاستقبال المصلين ، بدا أنه سيستقبل الآلاف منهم ، أبدى "هو" استعداد للمساعدة في فرش الحصر و تغطية المساحات الظاهرة من الإسفلت بل شرع فعلا في ذلك ، وقفت أتفرج عليه و لم أساعد ، توقعت أن يكون داخل الجامع مزدحما نظرا للاستعدادات بالخارج ، بدا عكس ذلك تماما ، يكاد يكون خاويا ، قابلت "الأخر" يخرج من المسجد حاملا حذاءه قبل أن تبدأ الصلاة ، توقعت أنه سيصلى بالخارج (و لم أفهم لماذا؟) ، سلم على باشتياق أصدقاء مضى زمن على أخر لقاء ، بدا رث الملابس على غير العادة ، توقعت أن يطلب منى أن ألاقيه بعد الصلاة خارج المسجد و لكنه طلب موعد للأسبوع القادم ، أتغرز نابه في خدي و أنا أقبله مودعا ، أختفي "هو" من جانبي عند بدء الصلاة ، بدئت الصلاة و الأمام يجلس ظهره للقبلة وجهه لنا (و لا أحد يستنكر) ظننته قعيدا لا يستطيع النهوض بدا ضئيل وهو جالس بعباءته البنية و شعر لحيته الخفيف و الطويل جدا و عينيه العسليتين ، كنت أصلى في الصف الثاني ، مع أول ركعة أخطاء الصف الأول فغضب الأمام غضبة شديدة و قام واقفا فبدا عملاق عكس ما كنت أظنه وطلب رجوع الصف الأول للمؤخرة فوجدتني في المقدمة أكاد أكون أنا الأمام ، كانت جارية الأمام تنظم الصفوف ترتدى رداء غير محتشم بالنسبة للمسجد كان جسدها جميلا أما وجهها فكان قبيح جدا ، فجأة أختفي الجميع ووجدتني مرة أخرى مع "هو" وحدنا كان يختم صلاته مبتسما و كنت أحاول أيجاد القبلة لأصلى و كان يرشدني و بدئت أخيرا مع عدم وثوقي في اتجاه القبلة ، انتهيت سريعا وجلست أختم صلاتي مع "هو" كان المسجد خاويا ألا منا ، دخل شخص يبدو عليه البله كان وجهه يشبه وجه الأمام و لكن بدون لحية يرتدى بنطلون بيجامة مع تى شيرت أحمر ملابسه غير مهندمة و لكنها نظيفة جدا مثل وجهه بدا أنه خرج لتوه من حمام طويل ، كان يمسك بيده مسدس صغير جدا مثل الألعاب صاح بصوت ولهجة مضحكين موجها مسدسه باتجاه "هو" (طلقة رصاص) ثم أطلق كان الصوت ضعيف غير مدوي كنت مازلت أضحك حتى رأيت "هو" يسقط متألما بدت عليه معانة الألم الشديد ،وجه المجنون المسدس نحوى و أطلق نفس الصيحة، سكين من الرعب أنغرز في قلبي بقوة رعب لم أشعر به في حياتي حتى أثناء مواجهتي للزلزال لأول مرة ، تحركت سريعة متدحرجا على الحصر فلم تصبني الأولى فأطلق ثانيا و أنا أبتهل لله أن ينجدني و بالفعل تعطل مسدسه و لم يطلق ، نظرت إلى هو فوجدته جامدا فأيقنت بموته فقمت غاضبا أضغط على أسناني ، أواجه المجنون أنطلق يعدو خارج المسجد و أنا وراءه كانت مطاردة طويلة جدا شوارع واسعة وحواري مبلطة و فوق سور القاهرة ثم تلال من أحجار ثم منطقة رمال عبرت فوق الكل حافي القدمين كما خرجت من المسجد، حاول أكثر من مرة أن يستدير و يطلق على و نجح مرتين أو ثلاثة و لكنه لم يصيبني ، أخيرا أمسكت به بجوار طفح المجارى أمام قسم الشرطة ، غرزت أسناني في رقبته و كلما تأوه زاد ضغطي ، حتى استكان تماما ، ربما مات ، ذهب الغل و هدأت فوجدت "هو" قادم علي وجهه ابتسامة جميلة ، فعرفت أنه راحل صحت فيه .........لا تتركني .
