ع الطريق
(1)
محطة مترو الميرغنى – 1992
مرضان
(1)
محطة مترو الميرغنى – 1992
مرضان
كان علي يومها أن أصل مصر الجديدة خلال ساعة على الأكثر ، عمل جديد و مدير غتيت كاعادة ، لاوقت أذن لتناول الغداء برغم جوعى الشديد لم أجد فى الميدان الكبير سوي كشك السجائر فشتريت بسكويت بالشيكولاتة ، و جلست أنتظر المترو ، أخرجت الأولى من جيب المعطف و أخذت فى أكلها ببطء حتى تعطينى أحساس بالشبع .
كان بجانبى و أن كنت لم أنتبه هل سبقنى أم لحق بي ، قذارته يصعب وصفها ، بيده عقلة قصب أحترت أن كان وجدها بهذه القذارة أم أن يديه هى التى أصابتها بالوسخ ، بللت عصارة القصب مع ريقه ذقنه و أخذت الأوساخ نازلة حتى رقبته الدقيقة لتصنع كتل صغيرة سوداء مقززة ، كما ساهم أنفه النزناز فى طمس ملامح طفولته الشديدة الروعة ، و هذا حال وجهه فلا أجد داعيا لوصف أثماله أو قدميه الحافيتين .
نظرت لكتلة القذارة بجانبي فبادلتنى النظر بعينين لامعتين لونهما عسلى رائق (كم أنت رائع فى خلقك يا الله) ، كان عينيه أية فى الجمال و كأنهما ماستين لا تستطيع الأتربة و الأوساخ أن تنال من تألقهما ، أخرجت الباكو الثانى من جيبى و مددت يدى فى أتجاهه ، كم كنت جبانا منحطا حيث خشيت أن تتلامس أيدينا ، نعم خشين أن تصاب أطراف أناملى من لحوسته ، أخذها بدون شكر ، و بنظرات ممتنة ، عله لا يعرف كلمات شكر . وضع عقلة القصب بجانبه ضحكت فى نفسى ، فلن يصيبها المقعد الحجرى من الوسخ بأكثر مما أصابتها يديه ، و تذكرت أمى كيف كانت تمنعنا من أكل آى شئ سقط على أرضية المنزل شديدة النظافة .
بحرص شديد حاول فتح الغلاف و لم ينجح نظر نحوى و مد يده
- أفتحها لى .
قمت بما طلب غير عابئ هذه المرة بما أصاب الغلاف ، أخرجت منديل ورقى ، و قدمته له .
- أمسح أنفك .
أستجاب بلا ممانعة بل بدا ممتنا ، وجد صورة بداخل الباكو .
- شوف لقيت أيه ، أنت عندك ألبون ؟
- لأ ، و أنت ؟
- ماعنديش لكن نوسة عندها
- طيب ، أعطى الصورة دي لنوسة
- لأ أنا هأجيب ألبون عشان أكسب الكمرة أو الأتارى ، فين الصورة بتاعتك ؟
بحثت عن الصورة حولى كانت داخل الغلاف الذى ألقيته على الأرض بجانبى أخرجتها له و فردتها جيدا فوضعها مع صورته بحرص فى جيب أثماله ، و قام واقفا فجأة و أستعد كمن سيلقى خطبة ما
- مش هأكسب كمرة و لا أتاري ، هأكسب فديون و مش هأخلى محسن المعفن يشوف معايا
- محسن مين ؟
- عم محسن المعفن (أكتشفت فيما بعد أن هذا فعلا ما ينادي به محسن صبى القهوة) فى القهوة عند الكابتن حلمى (الكابتن حلمى لاعب كرة سابق جدا و صاحب قهوة الأن) ، كل ما أقعد علشان أشوف الفيلم الهندي بتاع أميتا بشان يروح طاردنى على طول .
- ساكن فين ؟
- مع أبويا و أمى .
- فين يعنى ؟ بيتك بعيد
- لأ ورا الحيطة الكبيرة دى على طول ، معاك تانى (قالها ناظرا إلى الغلاف الفارغ بيده)
- دلوقتى لأ ، لكن بكرة زى دلوقت أستنانى هنا و أنا أجيب لك تانى ، و أجيبلك الألبوم كمان
- و النبي ؟ (قالها بفرحة شديدة غير مصدقة)
- و النبى ..... بس تغسل وشك كويس
- طيب ... أنت أسمك أيه ؟
- عبد الرحمن .... و أنت ؟
- مرضان
- رمضان؟
- مرضان
- لأ أسمك رمضان قول أسمك صح
- رمضان
- شاطر يا رمضان
ثرثر رمضان كثيرا عن محسن و عن نوسة التى لن تكسب أبدا لأنها تضربه و تقذفه بالطوب و لا تتركه أبدا يشاهد ألبونها ، أشعلت سيجارة .
- لأ السجاير بتموت
- مين قال كده ؟
- أمى بتقول لأبويا و أخويا الكبير
- أنت خايف لموت
- علشان تيجى بكرة ......
(2)
باب قهوة الأنشراح – عابدين 1991
مناديل
قبل أن تطأ قدمه الثانية أرض المقى ، سمع صوتها الواهن (مناديل ... مناديل يا عمو) نظر لأسفل .. ضئيلة جدا ... طفلة جدا ... أين دميتك يا حبيبتى و منديل أمك لينظف ذلك الأنف المنمنم ، (مناديل يا عمو ) .. فى جيبه الورقة الأخيرة جنيه واحد نصفه لكوب من الشاي و النصف الأخر لصبى القهوة كما تعود أن يجزل له العطأ نظير نداء ، (الشاي بتاع الباشا الكبير) ، ربما قابله على القهوة من يجعله أغنى قليلا ، و لكن لا داعى للأحراج مع صبى المقهى ..أذهبى عنى بعينيك العسلية الرائعة.. و كأنها أحست غريزيا برقة قلبه و ضعفه أمام طفولتها (و النبي يا عمو تاخد واحد) هكذا توسلت و هكذا أخرج جنيهه اليتيم من جيبه .. دعك من صبي المقهى لك يا حبيبتى نصفه و لى نصفه الأخر ثمن كوب الشاى الوحيد الذى أنوى طلبه لحين قدوم من أتوقع قدومه ، (معك فكة ) قالتها و هى تخرج كيسا أخر .
- واحد كفاية
- و النبي يا عمو
- .........
خرج من باب المقهى أو أخرج قدمه التى بالداخل حاملا كيسي المناديل مفكرا أنه قد تكون لهما فائدة أذا لم يأتى من وعده .... و هكذا فكر ....
(4)
الحلمية الجديدة – 2003
من العين السحرية
رحم الله قوم سكنوا الدور العشرين ، سادس دور بلا مصعد هو العذاب .. لم يعد السن يسمح بالتحامل على الجسد أو أدعاء عدم الأرهاق .. الظلام شديد الوطئة و ضيق السلم يجسد رائحته العطنة .. لا يوجد هنا نهار اليوم كله ليل فقط .. لا تكاد ترى موقع قدمها .. أخيرا الوصول إلى باب الرحمة .. تضغط الزر فيصدر الصوت المتكرون المزعج الذى تكرهه .. الضغطة الأولى كانت خجلة قصيرة ، ضغطة ضيف خجول .. تذداد مدة الضغط على زر الكروان مرة بعد أخرى تقاوم شبح العودة بالصوت المزعج المتكرر .. ظهرت الحيرة على الوجه الوسيم المجعد .. تتوتر حركات جسدها ، تسوي وضح الطرحة المستوية ، تتكئ على قدم واحدة و تستبدلها بالأخرى بعد فترة قصيرة .. تومئ لشخص غير موجود .. تبدو كمن تحدث نفسها
- هو ما فيش حد هنا ؟
- (ترد على نفسها) بيّن مافيش حد
تكاد دموعها تتساقط .. تترك أصبعها على رز الكروان و تستخدم يدها الأخرى فى الطرق بعنف يأس ، يختلط الصوتان بضجة مزعجة .. يفتح الباب فجأة .. ترتمى فى الحضن الذى لم يكن يتوقعها و يتحقق ما كادت أن تيأس منه .. أذ أُغلق الباب و هى بالداخل .

هناك ٦ تعليقات:
واضح أنها رواية جميلة و ممتعة لكنى ماقدرش أقول رأى كله فيها الا لما أكملها للأخر ... وكنت عايزة أعرف منك لو سمحت بتوثق رواياتك فين لأنى دخت على مكاتب الشهر العقارى و كله يقولى مش هنا و هل لو نشرتها فى البلوج ده يعتبر توثيق ليها و أثبات ملكيتى ليها ؟ ... أفدنى أفادكم الله
أشكرك جدا على المجاملة الرقيقة ، و لكنها ليست كلها رواية واحدة فالمنشور على البلوج جزء من رواية أول من أخر ، و بعض من قصص قصيرة من مجموعة أسمها (ع الطريق) ، أما عن توثيق ما أكتُب فلا أستطيع أفادتك فى هذا الموضوع حيث أننى لم أسعى أطلاقا لهذا و لم أفكر من قبل أذا كان نشر أعمالي هنا كافى لتوثيقها أم لا
فقد يكون أهتمامى أن تري أعمالي النور يفوق أهتمامى أن أنسبها إلى نفسى.
البدري
أهلا بك في عالم التدوين بداية موفقة
وننتظر بقية الأعمال
:)
الأستاذة باسمة /
أشكرك و جدا على أهتمامك
البدري
عزيزى البدرى استوقفتنى قصه كوهين والجنه واقل ما اقول ان لك اسلوب رائع فى معالجه الامور وسردها لك منى التحيه والتقدير والى الامام دائما
أستاذ / Sniper Man
ألف ألف شكر علي المرور الكريم و المجاملة الرقيقة و أتمنى أن تعجبك باقى الأعمال و أرحب بك دائما
البدري
إرسال تعليق