ع الطريق
(3)
مقابر الأمام الشافعى - 12 يناير 1998
هو
هو
(1)
رأيتني معه "هو" في شارع فسيح ، كان الشارع مفروش بالحصر الأخضر البلاستيك (فأوقفنا السيارة خارج الشارع بعيدا عن المسجد) استعدادا لاستقبال المصلين ، بدا أنه سيستقبل الآلاف منهم ، أبدى "هو" استعداد للمساعدة في فرش الحصر و تغطية المساحات الظاهرة من الإسفلت بل شرع فعلا في ذلك ، وقفت أتفرج عليه و لم أساعد ، توقعت أن يكون داخل الجامع مزدحما نظرا للاستعدادات بالخارج ، بدا عكس ذلك تماما ، يكاد يكون خاويا ، قابلت "الأخر" يخرج من المسجد حاملا حذاءه قبل أن تبدأ الصلاة ، توقعت أنه سيصلى بالخارج (و لم أفهم لماذا؟) ، سلم على باشتياق أصدقاء مضى زمن على أخر لقاء ، بدا رث الملابس على غير العادة ، توقعت أن يطلب منى أن ألاقيه بعد الصلاة خارج المسجد و لكنه طلب موعد للأسبوع القادم ، أتغرز نابه في خدي و أنا أقبله مودعا ، أختفي "هو" من جانبي عند بدء الصلاة ، بدئت الصلاة و الأمام يجلس ظهره للقبلة وجهه لنا (و لا أحد يستنكر) ظننته قعيدا لا يستطيع النهوض بدا ضئيل وهو جالس بعباءته البنية و شعر لحيته الخفيف و الطويل جدا و عينيه العسليتين ، كنت أصلى في الصف الثاني ، مع أول ركعة أخطاء الصف الأول فغضب الأمام غضبة شديدة و قام واقفا فبدا عملاق عكس ما كنت أظنه وطلب رجوع الصف الأول للمؤخرة فوجدتني في المقدمة أكاد أكون أنا الأمام ، كانت جارية الأمام تنظم الصفوف ترتدى رداء غير محتشم بالنسبة للمسجد كان جسدها جميلا أما وجهها فكان قبيح جدا ، فجأة أختفي الجميع ووجدتني مرة أخرى مع "هو" وحدنا كان يختم صلاته مبتسما و كنت أحاول أيجاد القبلة لأصلى و كان يرشدني و بدئت أخيرا مع عدم وثوقي في اتجاه القبلة ، انتهيت سريعا وجلست أختم صلاتي مع "هو" كان المسجد خاويا ألا منا ، دخل شخص يبدو عليه البله كان وجهه يشبه وجه الأمام و لكن بدون لحية يرتدى بنطلون بيجامة مع تى شيرت أحمر ملابسه غير مهندمة و لكنها نظيفة جدا مثل وجهه بدا أنه خرج لتوه من حمام طويل ، كان يمسك بيده مسدس صغير جدا مثل الألعاب صاح بصوت ولهجة مضحكين موجها مسدسه باتجاه "هو" (طلقة رصاص) ثم أطلق كان الصوت ضعيف غير مدوي كنت مازلت أضحك حتى رأيت "هو" يسقط متألما بدت عليه معانة الألم الشديد ،وجه المجنون المسدس نحوى و أطلق نفس الصيحة، سكين من الرعب أنغرز في قلبي بقوة رعب لم أشعر به في حياتي حتى أثناء مواجهتي للزلزال لأول مرة ، تحركت سريعة متدحرجا على الحصر فلم تصبني الأولى فأطلق ثانيا و أنا أبتهل لله أن ينجدني و بالفعل تعطل مسدسه و لم يطلق ، نظرت إلى هو فوجدته جامدا فأيقنت بموته فقمت غاضبا أضغط على أسناني ، أواجه المجنون أنطلق يعدو خارج المسجد و أنا وراءه كانت مطاردة طويلة جدا شوارع واسعة وحواري مبلطة و فوق سور القاهرة ثم تلال من أحجار ثم منطقة رمال عبرت فوق الكل حافي القدمين كما خرجت من المسجد، حاول أكثر من مرة أن يستدير و يطلق على و نجح مرتين أو ثلاثة و لكنه لم يصيبني ، أخيرا أمسكت به بجوار طفح المجارى أمام قسم الشرطة ، غرزت أسناني في رقبته و كلما تأوه زاد ضغطي ، حتى استكان تماما ، ربما مات ، ذهب الغل و هدأت فوجدت "هو" قادم علي وجهه ابتسامة جميلة ، فعرفت أنه راحل صحت فيه .........لا تتركني .
(2)
عدت إلى المسجد ، مازلت حافي القدمين "هو" يمشى خلفي ، طلبت منه مرات أن يمشى بجواري ، لم يرد ، دخلت لمكان الوضوء
غسلت الدماء عن وجهي و توضأت و حاولت أن أهندم ملابسي كنت أتكلم مع "هو" أثناء ذلك لم يرد مرة واحدة و ظللت أتكلم شئ ما تغير في وجهه يبدو أن ملامحه تطمس شيئا فشيئا ، مع ذلك لم أتعجب بل وجدت التغيير أجمل شئ ما فى شكله الجديد يشعرني بالراحة ، اقترحت عليه أن نذهب للمقهى أومأ إلى الجثة الموضوعة بجوار باب المسجد من الداخل ، كان فعلا ثمة جثة للرجل موضوعة في الكفن و مجهزة للدفن و لكن لم تكن في خشبه كما جرت العادة ، بجوار الجثة بعض الناس نظرت لوجوههم أعرفهم جميعا ترددت في الذهاب للتعزية أو حتى إلقاء التحية نظر "هو" إلى فهمت أنه لا يريد الذهاب ، علا صوت المؤذن بالأذان تأهب هو لصلاة السنة ، أحسست بطعم دم المجنون مازال في فمي فعدوت مرة أخرى إلى الميضة و توضأت مرة أخرى ، وجدتهم أقاموا الصلاة سريعا لم يكن المسجد مزدحما لم تتجاوز الصفوف ثلاث مع ذلك وجدت الجميع يدفعني برفق إلى الصف الأول وقفت و كان "هو" بجانبي تماما و أن كان كتفي يلامسان شخصين آخرين كانت الصلاة صامتة فعرفت أننا نصلى الظهر أو العصر ، أنهى الأمام الصلاة سريعا وجدت من يحتضنني كان رجلا مهيبا أعرفه (أبكى يا أبني ما تعملش كده في نفسك) قلت (حاضر) لم أفهم لماذا يريدني أن أبكى مع ذلك بكيت حتى جاءني "هو" لم يتكلم و فهمت أنه يعاتبني على البكاء ، وجهه صار أجمل كثيرا ، حمل البعض جثة الميت بدون خشبه ووضعوها قريبة من محراب الأمام ، وقف الأمام على رأس الميت ناظرا إلى المصلين شارحا صلاة الجنازة (صلاة الجنازة أربع تكبيرات في الأولى نقول التشهد و و بعد التكبيرة الثانية ندعو......................) كان يتكلم سريعا جدا لم أتعلمها بعد و بدء الصلاة نظرت إلى "هو" مستنجدا فطمئنني صاح الأمام (الله أكبر) صاح الجميع ورائه (الله أكبر) قلتها بصوت خفيض جدا لم أستطيع لسبب ما أن أعلو بصوتي رهبة الوقوف بين يدي الله تمنعني من الصياح مثلهم (الله أكبر) التكبيرة الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة فالسلام عليكم مرة واحدة فعلت مثلهم بدئوا يعدون للجنازة و ذهب جمع من المصلين لركن من المسجد ليقيموا الحضرة ، انجذبت للركن الحضرة بدئت على الفور كان ثمة منشد قوى الصوت جميله يبكى صوته بكاء عذبا مع بردة الأمام البوصيرى (محمد أشرف الأعراب كلهم ) ينشدها بمصاحبة أربعة رجال يكررون رتم بلهجة سودانية لا أعرفها و أن كنت أميز بعض ألفاظها و الباقين يرددون بإيقاع منغم (لا أله إلا الله) ، أسرع "هو " آلي دعاني لأشترك في الجنازة حاولت أن أذكره بحبي الشديد لهذه القصيدة و هذه الحضرة و طريقة الإنشاد رفض تماما في حسم فقمت معه الكثير من الأيدي ساعدتني على النهوض برغم عدم احتياجي ، خرج الميت أولا موضوعا في خشبه الآن ، دخلت الخشبه السيارة الكبيرة و ركبنا سيارتي جلس "هو " بجانبي و دخل أخر بجواره تعجبت كيف يسعهما هذا الكرسي ، عرض أحد ما على أن يسوق بدلا منى نظرت إلى "هو" فرفض فرضفت أنا أيضا سرنا خلف السيارة الكبيرة بهدؤ و مهابة حتى المقابر القريبة جدا من المسجد ، كانت التربة مفتوحة و نصف جسد التربى يطل من فسقيتهة شاهد التربى أوراقا مع أحدهم ثم سمح بفتح الخشبه علا صوات بعض النساء و بعض الرجال ينهرهن ، امتدت بعض الأيدي تسندني فصحت فيهم أن يتركوني ففعلوا دعاني "هو" للنزول إلى التربة فنزلت لحظات بالداخل لم أرى شيئا حتى اعتادت عينى على الظلام تلقفنا الجسد مع التربى و الرجل المهيب يتلو آيات من القرآن عدلنا وضعه و فك أحدهم الأربطة السبعة ثم أمسك الرجل المهيب بيدي لأخرج فأذعنت له ، بدء التربى يغلق القبر كدت أضربه أو أقتله فـ"هو" لم يخرج بعد فوجدت "هو" يمسك بيى ليمنعنى من قتله ، الجميع يربت على كتفى و يدعونى بالصبر و البعض ينصحنى بالبكاء ، أمى توصى أصدقائى ألا يتركونى وحيدا مهما حدث ، و أنا لا أفهم ربما يكون الميت أحد أقاربى ، أنتهت أجراءات الدفن و العزاء و غادر الجميع الحوش و سحبني الرجل المهيب بهدوء نظرت إلى "هو" فوجدته مازال واقفا عند القبر لا يبرح مكانه هممت بالعودة فرجاني الا أفعل خرجت مع الرجل المهيب بهدؤ فقد فهمت أن "هو" لم يعد صديقي الآن ........... فبكيت

هناك ٤ تعليقات:
رائع جدا جدا
الأستاذ / أخر من الأخرين
شكرا جدا جدا
إرسال تعليق